كيف نتعامل مع فقدان شخص عزيز ؟
إنّ من أقسى المشاعر التي تمر على الإنسان الحسرة والحزن على فقدان شخص عزيز، وخصوصاً إذا كان هذا الشخص قريباً ومحبوباً وجاءت وفاته مفاجئة، ولا يمكن للإنسان إلا أن يتعاطف مع الأم التي تفقد إبنا ً شاباً في العشرين من عمره، أو الزوجة التي تفقد زوجها وتبقى مع أطفالها وحيدة حزينة، وغيرها الكثير من الأمثلة. وفي اللحظة الأولى تكون الصدمة شديدة وقد لا يصدق الإنسان ما حدث، وقد تستمر فترة الصدمة هذه دقائق أو ساعات وأحياناً أيام، ثم يأتي دور الحزن والحسرة والأسى، ويشعر الإنسان بالكآبة والضيق في الصدر، ولا يكون متحمساً لأي نشاط أو متعة، ويشعر أن الحياة بلا طعم طالما أن نهايتها الموت، وقد يظهر هذا على مأكله ومشربه ولباسه، وهناك من يتخذ طقوساً معينة مثل: عدم مشاهدة التلفزيون، واللباس الأسود القاتم، وعدم تبادل الزيارات مع الناس، وعدم الإبتسام أو الضحك، وهذا يشيع في البيت جواً غير مريح، ولا يخرج إلا إذا كان ينوي زيارة مقبرة الفقيد، وقد يكون هناك مبالغة في ذلك تتخطى ما هو معقول في المنطق والشرع، وتصبح حياة الأسرة صعبة ولا يجرؤ أياً من أفرادها على كسر الحواجز و الإجراءات المتخذة، وفي كثير من الأحوال لا يحدد وقت لإنتهاء هذه الأجواء.
- من المعروف أن المرحلة الثانية من حسرة الحداد وهي الحزن على الميت تستمر من بضعة أسابيع إلى بضعة شهور على الأغلب ونادراً ما تصل إلى السنة، وحتى يخرج منها الإنسان لابد أن يقوم بعمليات مراجعة لعلاقته بالفقيد ونظرته للمستقبل وبعد أن يخرج من هذا التفاوض يصل إلى مرحلة التأقلم والتكيف مع الموت والفقدان والحسرة، ولكن إذا بقيت إجراءات العائلة مستمرة فإن هذا قد يؤخر أفراد الأسرة من الوصول إلى مرحلة التأقلم والتكيف وقد يتوقف البعض في مرحلة الحزن واليأس لفترات طويلة.
- في إطار الطقوس الخاطئة فإنه من الملاحظ أن هناك تجنب للحديث عن المرحوم بطريقة مباشرة، وقد لا يتم ذكر إسمه، وهناك من لا ينظر إلى صوره وحاجياته، وأحياناً هناك مبالغة معاكسة، بحيث تعلق صوره في كل زوايا البيت ويصبح الحديث الوحيد والدائم للأسرة وضيوفها، وهذا كله يؤدي للتأخير في الخروج من جو الحزن والضيق. وليس من المفهوم كيف يستفيد المرحوم من عدم قيام أفراد أسرته بمتابعة حياتهم اليومية أو إستماعهم لنشرة الأخبار أو مشاهدة برنامج تلفزيوني وقراءة الصحف، وكيف يستفيد من أنهم جميعاً يلبسون ملابس قاتمة أو سوداء، وهل تعود هذه الإجراءات عليهم بأية فوائد، قد تكون هذه الإجراءات معقولة في الفترة الأولى ولكن إستمرارها لا يؤدي إلى أي فوائد بل أنها تعيق الوصول لحالة التأقلم والتكيف، وقد يكون لأصدقاء العائلة والمقربين دور في دفع عجلة التغيير، وذلك أن أي من أفراد الأسرة إذا حاول فك الحداد سيشعر بالذنب وتأنيب الضمير وكأنه الوحيد الذي نسي المرحوم وليس حزيناً على فراقه.
- إن كثيراً من الطقوس التي نمارسها لا نعرف أصلها، فعلى سبيل المثال: الأربعين، لم يأت في الإسلام ما يفيد بالحداد لمدة أربعين يوماً، بل أنه في التاريخ القديم عرف عن الفراعنة أنهم كانوا يمضون أربعين يوماً في تحنيط الجثة قبل الدفن، ولذلك تبقى الأحزان قائمة والمأتم مفتوحة حتى يتم الدفن، وقد اقتبس الناس هذا الرقم وأقاموا عليه طقوس، وأنفقوا عليه من الأموال بلا مبرر، ومن السلوكيات الأخرى الولائم التي تقام في أيام العزاء، فالأصل فيها إن أقارب وجيران المتوفى يُحضِرون الطعام لأهل المتوفي، لأنهم لن يتمكنوا من إعداد الطعام بأنفسهم في وسط أحزانهم وقد يعزفوا عن تناول الطعام، فإن مشاركة الأقارب والجيران لهم هي لحفزهم على إن يأكلوا، ولكن الأمر قد تحول إلى ولائم رسمية يقوم فيها أهل المتوفي بإكرام ضيوفهم وكأنهم في حفل زفاف أو مناسبة سعيدة وأحياناً تتوسع دائرة هذه الولائم و يدعى إليها القاصي والداني وتكون بكميات كبيرة يتلف معظمها، كما يتم تعطيل المدعوين عن أعمالهم ومصالحهم للمشاركة في ولائم لا معنى لها، وإذا كان القصد الصدقة عن روح المتوفى فلا بأس من دفع قيمة هذه الولائم أو تقديم الأكل للفقراء والمحتاجين والمؤسسات الخيرية ويصبح من حضر العزاء.
لتسهيل مرور الإنسان عبر مراحل الحداد لا بُد أن نسهل عليه أمر الحزن والحداد ويعطى الضوء الأخضر لذلك، كما ينصح من يفقد شخص عزيز بالعودة للحياة الطبيعية بأسرع ما يمكن وتعديل نظامه اليومي بما يتناسب مع الوضع الجديد، وتصبح حسرة الحداد مرضية إذا طالت أو كانت شديدة أو تحولت إلى أعراض مرضية رغم تشابه حسرة الحداد مع الإكتئاب إلا انه لا يفترض أن تؤدي إلى توقف قدرة الإنسان على العمل والأداء مثلما يكون الحال بالإكتئاب،
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع