عن فاطمة بنت أحمد!
أعرفُ مسبقاً أن الكتابة عنكِ شيء محكوم بالفشل مهما حاولتُ، امرأة مثلكِ يستحيل تحويلها إلى أبجدية، امرأة مثلكِ أكبر من أن تُعتقل في نص، امرأة مثلكِ أكبر من أن تُحبس بين فاصلتين، ببساطة لا يمكنني تحويل العطر إلى لغة مهما حاولتُ فالعطرُ يُشمُّ ولا يُكتب!
محاولة الكتابة عنكِ فكرة مجنونة، كمحاولة تعبئة البحر في زجاجة، كمحاولة إذابة ثلج القطب كله بعود ثقاب واحد، كمحاولة اقناع النمل أن السُكّر مضر بالصحة!
أنتِ عندي لستِ أول النساء، ولستِ آخرهن، أنتِ كُلهن! لهذا العالم امرأة واحدة هي أنتِ، وما تبقى مشاريع نساء لم تكتمل، كل امرأة ليس لها دفء صوتك باردة ولو كان بإمكانها إشعال الشتاء، كل امرأة ليس لها غمازة خدك حين تبتسمين كئيبة ولو جابت ضحكتها أرجاء الأرض!
أنتِ لستِ امرأة، أنتِ دواء، أأرق فتمسحين على رأسي فأنام، أكتئب فتضميني فأبتهج، أحزن فتحدثيني فأسعد، أبكي فتمسحين دمعي فأزقزق، أتأفف فتخففين عني فأرضى، أعطش فتنادين اسمي فأرتوي، أجوع فأناديكِ فأشبع!
هذا النصُّ عنكِ، عن قهوتكِ لا تأتي مقاهي العالم بمثلها ولو اجتمعت!
عن رائحة خبزك لا تبثه أفران العالم ولو تكاتفت! عن بيضة في مقلاتك تُغني عن مطاعم العالم كله !
عن مائنا يصير زمزما إذ تصبينه!
عن ماء وضوئك يصير شراب ورد إذ يتناثر منك! عن سجادة صلاتك تصير مسجداً إذ يمسها جبينك!
عن الصباح توقظينه كل يوم ليصلي الفجر حاضراً، عن ماهر المعيقلي رفيق صباحك!
عن سعد الغامدي تحفظين وقت ختمته!
عن الشاطري يُطربك!
عن سالم الجليل يُسليكِ!
عن فتافيت لا تعرفينها! عن الجزيرة لا تعنيكِ! عن الكتب تجمعينها خلفي!
عن درويش تقولين لي: ما هذه الخرابيط؟!
عن مستغانمي تقولين لي: شكلها فاضية عندها كتب كثيرة!
عن كنفاني تسأليني: أهذا الذي فجروه في بيروت!
عن محمد قطب تسأليني: ما قرابته ب سيد!
عن بيغوفيتش تتعجبين: أجنبي واسمه عليّ!
عن لسان العرب تكرهينه: كبير عالفاضي!
عن ابن القيم تحبينه!
عن دان براون لا تستسيغينه!
عن تشومسكي أخبركِ أنه يهودي جميل فتتوجسين!
عن ابن سيرين الوحيد الذي تقرئين له!
عن يدك فوق يدي تعلمني كيف أكتب على السطر! عن نون التوكيد التي أحبها لأنها كانت تُضحكك حين أتلعثم بها وأنت تعلميني «لنسفعن بالناصية» فتسفعين ناصيتي!
عن أظافري تقلميها بقلبك!
عن شعري تسرحيه بعينيك!
عن مريولي تعقدين أزراره فأنظر في عينيك الخضر عن قرب وأقول في نفسي: ما أجملكِ!
عن عتبة بيتنا أكرهها لأنكِ كنتِ تقفين عندها كل ليلة تنتظرين أن أعود لتنامي! عن الشقي الذي أتعبكِ! عن العاق الذي ابتعد عنكِ! عن المشتاق كل ليلة يهاتفكِ! عن العاشق من بعيد يغازلكِ فتقولين له بغنج: تأدب يا ولد! فيزيدك ويقول: أما زال النمل في بيتنا يسير خلفك يا سُكر؟! فتحبسين دمعة وتقولين له بغصة: نم ولا تنس أذكار المساء! فيجيبكِ: الجياع لا ينامون! فتقولين له: كُل إذاً! فيقول: قلبي جائع إليكِ! فتنزل دمعتك وأكره نفسي وأنام!
عن العاق عاد أخيراً إليكِ! عن يدكِ، قهوتكِ، شُرفتي الصباحية، عن رئتيك أتنفس بها، عن رائحتك أدمنها، عن حضنك الذي ما عاد يتسع لي فتنهريني: «قم صرت قد الدب»! عنكِ... حاولت أن أكتب شيئا وفشلت! أنتِ في حلق اللغة غصة! أنتِ امرأة لا تُكتب!
أَتُقَبِّلونَ صِبيانكم؟!
دخلَ جماعة من الأعراب على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعنده سبطه الحسنُ بن علي، فقبَّله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فسألَه الأعرابُ مستغربين، : أَتُقَبِّلونَ صِبيانكم؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم
قالوا: كلنَّا واللهِ ما نُقبِّل!
فقال لهم: أَوَ أَمْلِك إن كان الله نزعَ من قلوبكم الرَّحمة؟!
بعض الآباء فيهم من الجفاء ما يُشعرك أن قلوبهم من صخرٍ وليست من لحمٍ ودمٍ تنبضُ كما قلوب الناس! وبعضهم على النقيض من هذا، حنون مُحِبٌّ، ولكنه يعتقدُ أن إظهار هذا الحنان وهذا الحُب إنما هو منافٍ للرجولة، وصور من صور ضعف الشخصية!
ولستُ أدري من أين أتى هؤلاء بهذا المفهوم، ولا من أين استقوه!
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أكثر الناس رجولة ولم يمنعه هذا من إظهار حنانه، يقول أنس بن مالك: ما رأيتُ أحداً كان أرحمَ بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبنه إبراهيم رضيعاً عند مرضعة في أحياء المدينة، فكان ينطلقُ ونحنُ معه، فيدخل فيقبله ثم يرجع!
مشاعرك هي التي سيتذكرها أبناؤكَ منكَ ولا شيء غير هذا!
إنهم لن يتذكروا الأثاث الفاخر الذي زيَّنتَ به منزلكَ، ولا السيارة الفارهة التي جعلتهم يستقلونها، ولا الطعام الشهي الذي ملأتَ به أمعاءهم، ولا الأَسِرَّة الفارهة التي جعلتهم ينامون فيها!
سأخبركَ ما سيتذكره أبناؤك إلى الأبد
سيتذكرون الكتف الذي استندوا عليه حين كسرتهم الحياة، والحضن الذي وجده الابن حين فشل في امتحان!
والحضن الذي وجدته البنت عندما فشلت في خطوبتها!
سيتذكرون كلماتك الدافئة وابتسامتك،!سيتذكرون لحظاتك الحانية وأنتَ تربتُ على قلوبهم!
سيتذكرون حكايا ما قبل النوم، ووجبة الطعام المتأخرة التي كسرتَ لأجلها ولأجلهم قواعد البيت!
سيتذكرون كلامك عنهم أمام الناس، مديحاً أو تهكماً، هذه الأشياء لا تُنسى!
سيتذكرون هدايا النجاح، ومفاجآت المناسبات السَّعيدة، والرَّحلات العائلية، والابتسامات التي رسمتها على وجوههم!
هذه الأشياء وحدها تبقى فإن ضيّعتها فلن يشفع لكَ عندهم ما فعلتَ بعدها!
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع