💎
في آخر سنة (٦٢٢هـ) توفي الخليفة الظالم الفاسد المستبد الناصر لدين الله، بعد أن حكم البلاد (٤٧) سنة، وتولى الحكم بعده ابنه الظاهر بأمر الله، وكان على النقيض تماماً من أبيه، فقد كان رجلاً صالحاً تقياً، أظهر من العدل والإحسان ما لم يُسبق إلا عند القليل.
حتى قال ابن الأثير: لو قال قائل: إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً، فقد رفع الضرائب الباهظة، وأعاد للناس حقوقهم، وأخرج المظلومين من السجون، وتصدق على الفقراء،
حتى قيل في حقه: إنه كان غريباً تماماً على هذا الزمان الفاسد.
ثم قال ابن الأثير فيه كلمة في منتهى العجب، فقال: إني أخاف أن تقصر مدة خلافته؛ لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته، فقد كان المجتمع فاسدًا إلى هذا الحد.
وصدق ظن ابن الأثير، فقد مات الظاهر بأمر الله بعد تسعة أشهر، ومع ذلك فكما يذكر الرواة: رخصت الأسعار جداً في فترة حكمه, فتحسن الاقتصاد في العراق في تسعة شهور، وهي إشارات لا تخفى على عاقل، فالحمد لله الذي وضع في الأرض سنناً لا تتبدل ولا تتغير.
ثم تولى الحكم بعد الظاهر بأمر الله المستنصر بالله.
💎محاصرة جلال الدين لمدينة خلاط وسبي أهلها:
كان جلال الدين مستمراً في حروبه ضد المسلمين، ومما يذكر عنه أنه حاصر مدينة خلاط في تركيا، وهي مدينة مسلمة، فقتل منها خلقاً كثيراً، وامتدت أيدي الجنود الخوارزميين إلى كل شيء في البلد بالسلب والنهب، حتى سبوا النساء المسلمات.
وإني لا أجد أبداً تفسيراً منطقياً لهذا التردي في الأخلاق والفهم والسياسة والحكمة، وفي كل شيء، ولولا أن هذا مسجل في أكثر من مرجع لما قبله عقل أبداً، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله.
💎وفاة جنكيز خان:
في سنة (٦٢٤هـ) حدث أمر هام ومحوري، فقد توفي القائد التتري المجرم السفاح جنكيز خان عليه لعنة الله، وكان عمره (٧٢) سنة، ملأها بالدماء والسفك والقتل والسلب والنهب، وأقام مملكة واسعة جداً من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب، وبناها على جماجم البشر، ومعظمهم من المسلمين.
ولكن اللوم كل اللوم على الذي أوصل المسلمين إلى هذه الحالة من الضعف، التي مكنت هذا الفاسد من أن يفعل في بلاد المسلمين ما يشاء.
وبموت جنكيز خان هدأت الأمور نسبياً في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريباً، وكان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران ومن بحر قزوين، ووقف القتال، وكأن كل فريق قد رضي بما يملك، وكأن التتار في دولتهم وجلال الدين في دولته.
💎حال المسلمين بين عامي ٦٢٤هـ و ٦٢٧هـ:
استقرت الأمور، وهدأت نسبياً في الفترة من سنة (٦٢٤هـ) إلى سنة (٦٢٧هـ)، أي: ثلاث سنوات.
وكان المسلمون خلال هذه الفترة على ما عهدوه من الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، ولم يستغلوا مصيبة التتار في زعيمهم الكبير جنكيز خان لجمع صفوفهم وتحرير بلادهم، ولكن شغلوا بأنفسهم، وبمحاربة بعضهم لبعض.
وهذه الحالة لم تكن فقط في أرض العراق وغرب إيران فقط، ولا بين جلال الدين والخليفة العباسي فقط، بل كانت عامة في عموم العالم الإسلامي، فكل المنطقة كان تموج بالاضطربات والفتن، وكانت الحروب مستمرة بين أمراء المسلمين في الشام ومصر، ولم تتحد كلمتهم أبداً، مع أن معظم الحكام في هذه المنطقة كانوا من الأيوبيين، وبينهم صلة رحم قوية، وكانت تقوم الحرب أحياناً بين الإخوة الأشقاء.
💎تسليم المسلمين بيت المقدس للصليبيين:
في سنة (٦٢٦هـ) حدث أمر مريع، وهو تسليم بيت المقدس الذي حرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قبل ذلك بـ (٤٠) سنة إلى الصليبيين صلحاً، فقد اتفق أمراء الشام على إعطاء بيت المقدس للنصارى الصليبيين؛ ليساعدوهم على غزو مصر، وتخيلوا كيف كانت المأساة في ذلك الوقت؟ نعوذ بالله من الضعف بعد القوة، ومن الذلة بعد العزة، ومن الخذلان بعد النصر.
وعند رؤية هذه الأحداث في كل بلاد المسلمين نعلم سبب تمكن التتار من هذه البلاد مع ضخامتها وأعدادها وثرواتها، فهذه سنة ثابتة في الكون، ومن كانت هذه حالته فلابد أن يسلط عليه طواغيت الأرض، فالله عز وجل لا ينصر إلا من نصره، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:١٦٠]، لا أحد.
🌷الدكتور راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🎗المحـ3ــاضرة [ المتساقطون ]
∫∫ الحـ٣٢ــلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع