قلنا إن الموريسكيين -وقد حلوا مشكلة رؤية الهلال، وعرفوا موعد الصيام- كان عليهم أن يبرروا استيقاظهم قبيل الفجر، وامتناعهم عن الطعام والشراب خلال النهار. لجأ الموريسكيون إلى حيلة طريفة، إذ تعاقدوا مع شاب من المسيحيين القدامى (ممن لا يشك أحد فى عقيدتهم الكاثوليكية) على أن يوقظهم قبل الفجر بساعة (حتى يستعدوا لإخراج أغنامهم إلى المراعى)، وهكذا أصبح استيقاظهم فى هذه الساعة لا يثير الشك. أما المشكلة الثانية فكان حلها أكثر صعوبة. علينا أن نكون موضوعيين عند الحديث عن محاكم التفتيش. صحيح أنها كانت جائرة فى فكرتها الأساسية، لكنها كانت تحافظ على المظهر، أى تحاول إثبات التهمة قبل توقيع العقوبة. امتناع شخص عن الطعام والشراب فى يوم واحد ليس دليلا كافيا على أنه صائم، فربما كان لا يشعر بالجوع. هنا كان على المحكمة أن تستعين بشهادة الجيران، فإذا تكرر امتناع الشخص عن تلبية الدعوة إلى الطعام والشراب، فهذه تعتبر قرينة تسمح للمحكمة بالاستمرار فى نظر الدعوى. كان الموريسكيون يعرفون أنهم سيتلقون دعوات لتناول الطعام من قبل الجيران خلال أيام شهر رمضان، لذلك تفتّق ذهنهم عن حيلة ذكية: سيذهبون إلى الحقول ويبيتون فيها "لحراسة محاصيلهم". هناك، فى الهواء الطلق، وبعيدا عن مراقبة الجيران، سيكون بإمكانهم الصيام بحرية. رحم الله أولئك الذين تمسكوا بدينهم وكانوا كالقابض على الجمر.
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع