سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ]
∫∫ الحــ٧٥ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎صفات توران شاه في الحكم وقصة مقتله:
مع هذا الانتصار المبهر للمسلمين على الصليبيين إلا أن توران شاه لم يكن يناسب تلك الأحداث الساخنة التي تمر بالأمة الإسلامية، فـ توران شاه كان شخصية عابسة متصفاً بسوء الخلق، والجهل بشئون السياسة والحكم، وقد ركبه الغرور بعد النصر على لويس التاسع ملك فرنسا عن رؤية أفضال ومزايا من حوله،
فبدأ يتنكر لزوجة أبيه شجرة الدر، واتهمها بإخفاء أموال أبيه، وطالبها بهذا المال، بل وهددها بشدة، حتى دخلها خوف كبير منه، ولم يحفظ لها جميل حفظ الملك له بعد موت أبيه، فقد بعثت له من أجل أن يأتي ويستلم مقاليد الحكم في مصر، مع أن الوضع كان في اضطراب شديد جداً، فجاء إلى مصر ووجد الجيش منتصراً بالفعل، ومع ذلك بدأ يتنكر لها،
ولكبار أمراء المماليك أمراء الجيش، وعلى رأسهم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس،
فلم يحفظ للمماليك جميل الانتصار الرائع الذي حققوه بالمنصورة، ثم في فارسكور، فبدأ يقلل من شأنهم، ويقلص من مسئولياتهم، وبدأ على الجانب الآخر يعظم من شأن الرجال الذين جاءوا معه من حصن كيفا التركي، وبدأ واضحاً للجميع أنه سيقوم بعمليات تغيير واسعة النطاق في السلطة في مصر، وبالذات في الجيش المصري،
وكان كل هذا في غضون الثلاثة الأشهر الأولى له في مصر، وبعد موقعة فارسكور مباشرة،
فخافت شجرة الدر على نفسها، وأسرت بذلك إلى المماليك البحرية، وبالذات فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، وقد كان المماليك البحرية يكنون لـ شجرة الدر كل الاحترام والولاء؛ لأنها زوجة الأستاذ الملك الصالح رحمه الله
وعلاقة الأستاذية هذه كانت أقوى من علاقة الأب بابنه أحياناً، وكانت تبقى آثار هذه العلاقة حتى بعد موت السيد الذي اشتراهم أو الملك الذي رباهم،
ولما ذكرت شجرة الدر هذه الوساوس إلى المماليك البحرية، وجدت عندهم نفس الوساوس، فقد خافوا من توران شاه، وتوقعوا أن يقصيهم توران شاه عن الحكم والسلطة، بل وقد يتعرض لهم بالقتل، فأجمعوا على سرعة التخلص من توران شاه وقتله.
والمماليك بصفة عامة، كان عندهم تساهل كبير جداً في الدماء، كانوا يقتلون بالشك، فإذا شكوا في أحد أنه ينوي أن يغدر، فإن ذلك يعتبر عندهم مبرراً كافياً للقتل، وكان هذا التساهل في الدماء عاماً في حياة المماليك، وفي كل فترات دولتهم تقريباً، وكم من أمرائهم وخصومهم بل ومن عظمائهم من قُتل بسبب الشك في نواياه،
وقد يكون هذا راجعاً إلى التربية العسكرية الجافة التي نشأ عليها المماليك، فقد كانت فيهم قسوة نفسية وشدة وعدم تمييز للأمور، وكانوا يحبون حسم كل الأمور بالسيف الذي يحملونه منذ نعومة أظفارهم،
والشيء الذي لا يفهم هو أن هؤلاء المماليك كانوا ينشئون على التربية الدينية والفقهية، ولا أدري أي سند فقهي يعضد قتل رجل ما، حتى ولو غلب على الظن أنه سيقوم بعزل أو احتمال قتل.
المهم أنهم في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والتدبيرات الخفية، لم يكن يستهجن عندهم مطلقاً أمر ذلك القتل، بل إن القاتل أحياناً يفخر أمام الناس بقتله للمقتول، بل وقد يصعد إلى كرسي الحكم وهو مرفوع الرأس لا يشعر بأي تأنيب ضمير، وكأن الدماء التي تسيل هذه ليس لها وزن عند الله سبحانه وتعالى ولا عند الناس.
وهذا ليس دفاعاً عن توران شاه أو غيره، فقد يكون القتيل شخصية عابسة وسيئة وكريهة، ولكن العقوبات في الإسلام لها مقاييس معينة ومقادير خاصة جداً، وهذه المقاييس لم نحددها نحن، بل حددها رب السماوات والأرض، فالسارق وإن كان مجرماً سيئاً كريهاً، إلا أنه لا يقتل لمجرد السرقة، بل تقطع يده، والزاني غير المحصن وإن كان قد قام بعمل شنيع مشين، إلا أنه يجلد ولا يرجم وهكذا، وليست وساوس المماليك أو غيرهم مبرراً شرعياً كافياً للقتل، بل قد تكون مبرراً شرعياً للعزل أو الاعتراض أو الحبس أو ما إلى ذلك، لكن الوصول إلى حد القتل أمر كبير جداً.
إذاً: اتفقت شجرة الدر مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وغيرهما من المماليك الصالحية البحرية على قتل توران شاه، وتمت الجريمة في (٢٧) محرم سنة (٦٤٨) هجرية بعد سبعين يوماً فقط من قدومه من حصن كيفا في تركيا واعتلائه عرش مصر، وكأنه لم يقطع كل هذه المسافات لكي يحكم، بل لكي يدفن.
وبمقتل توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين الأيوبي رحمه الله انتهى حكم الأيوبيين تماماً من مصر، وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي.
🌷الدكتور راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ]
∫∫ الحــ٧٦ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎المماليك وحكم مصر:
لقد حدث فراغ سياسي كبير جداً بقتل توران شاه، فليس هناك أيوبي في مصر مؤهل لقيادة الدولة، ومن ناحية أخرى فإن الأيوبيين في الشام مازالوا يطمعون في مصر، والشام ومصر كانتا دولة واحدة في زمن الملك الصالح أيوب رحمه الله، فقد وحد الدولتين بعد حربه مع الأيوبيين والصليبيين في الشام، والآن سيحاول الأيوبيون في الشام ضم مصر إلى الشام لصالحهم، ولا شك أنه قد داخل الأيوبيين في الشام حنق كبير على المماليك؛ لأنهم تجرءوا وقتلوا أيوبياً، وكان المماليك يعلمون أن الأيوبيين سيحرصون على أخذ الثأر منهم، لكنهم كانوا يدركون أن قيمتهم في الجيش المصري كبيرة جداً، وهم يعرفون أن المماليك هم القوة الفعلية في مصر، وأنهم قد ظُلموا بعد موقعة المنصورة وفارسكور؛ فقد كانوا السبب الرئيسي في الانتصار،ومع ذلك همش دورهم
كل هذه الخلفيات جعلت المماليك ولأول مرة في تاريخ مصر يفكرون في أن يمسكوا هم بمقاليد الأمور مباشرة،فهم القادرون على أن يغلبوا،فلماذا لا يكون الحكم لهم؟
ولأول مرة طرح هذا السؤال على أذهان المماليك، وقد استخدموا في مصر من أيام الطولونيين، يعني:من سنة (٢٥٤) من الهجرة،
ثم بعدها استخدموا أيضاً في أيام الدولة الإخشيدية، ثم في أيام الدولة الفاطمية، ثم في أيام الدولة الأيوبية، وفي كل هذه الفترات كان الجيش يعتمد تقريباً اعتماداً كاملاً على المماليك،ومع ذلك لم يفكروا مطلقاً في حكم ولا سياسة، فقد كانوا دائماً أعوان الملوك، وما كانت تخطر على أذهانهم فكرة الملك أبداً؛ لكونهم من المماليك الذين يباعون ويشترون، فلم تكن لهم عائلات معروفة أصلاً ينتمون إليها، وهذا يشعرهم بالغربة في البلاد الجديدة التي يعيشون فيها، والخطر لم يكن يمسهم ألبتة،وإنما كان دائماً يمس السلطة، وهم تبع للسلطة الجديدة، وينتقلون من سيد إلى آخر وهكذا
وأما الآن فالمؤامرات ستدبر لهم مباشرة، والدائرة ستدور عليهم هم، والملوك ضعفاء، والقوة كلها بيدهم، فلماذا لا يجربون حظهم في الحكم، ولكن صعودهم مباشرة إلى الحكم سيكون مستهجناً جداً في مصر، فالناس لا تنسى أن المماليك في الأساس عبيد يباعون ويشترون، وحتى لو أعتقوا، فتقبل الناس لحكمهم سيكون أمراً صعباً، وحتى لو كثرت الأموال في أيدي المماليك، وتعددت الكفاءات، وحكموا الأقاليم والإقطاعات فهم في النهاية مماليك، وصعودهم إلى الحكم يحتاج إلى حجة مقنعة للشعب الذي لم يألفهم أبداً إلا في كنف السلاطين
كل هذا دفع المماليك البحرية الصالحية إلى أن يرغبوا بعد مقتل توران شاه في فترة انتقالية تمهد الطريق لحكم المماليك، وفي ذات الوقت لا تقلب عليهم الأمور في مصر أو في العالم الإسلامي، فهم يريدون الحكم بعد توران شاه، ولكنهم يريدون فترة انتقالية، بحيث يستوعب الناس جلوسهم على الكرسي بعد ذلك
إذاً:كانت هذه هي حسابات المماليك الصالحية البحرية، فهم يريدون أن يحكموا؛ لأنهم هم أصحاب القوة الحقيقية
💎شجرة الدر وحكم مصر:
كانت شجرة الدر امرأة ذات طابع خاص جداً، لا تتكرر كثيراً في التاريخ، فهي امرأة قوية جداً، وشجاعة وجريئة ولها عقل مدبر، وتتمتع بحكمة شديدة، ولها القدرة على القيادة والإدارة، وكانت شجرة الدر تعرف كل هذه الأشياء عن نفسها، فقد كانت شديدة الإعجاب بإمكانياتها وبنفسها، وهذا كله دفعها إلى تفكير جديد تماماً على الفكر الإسلامي وبالذات في هذه الفترة من تاريخ الأمة، ففكرت في الصعود إلى كرسي الحكم في مصر، وهذا أمر هائل فعلاً، وسباحة عنيفة جداً ضد التيار،
ولكن شجرة الدر وجدت في نفسها الملكة التي تسمح لها بتطبيق هذه الفكرة الجريئة، وقالت لنفسها: إنني حكمت البلاد سراً أيام المنصورة،فلماذا لا أحكمها الآن جهراً؟
ولما تباحثت شجرة الدر مع المماليك البحرية في أمر البلاد بعد مقتل توران شاه وجد المماليك فيها الفترة الانتقالية التي يريدون، فهي زوجة الأستاذ الملك الصالح نجم الدين أيوب،والجميع يكن له كامل الحب والاحترام والوفاء، سواء من المماليك أو من الشعب المصري نفسه،
فالشعب المصري كان يحب الملك الصالح جداً، وهي في نفس الوقت تعتبر من المماليك، وإن كانت أعتقت إلا أنها كانت مملوكة قبل ذلك، كما أنها في النهاية امرأة ويستطيع المماليك من خلالها أن يحكموا مصر، ويوفروا الأمان لأرواحهم،
يعني: أنهم سيضعون شجرة الدر في الصورة بأنها حاكمة مصر، والشعب في اعتقاد المماليك سيسكت؛ لأنها زوجة الملك الحبيب لهم الملك الصالح رحمه الله الذي مات منذ أشهر قليلة، وفي نفس الوقت يستطيعون أن يسيطروا على الحكم من خلال هذه المرأة التي مهما كانت قدرتها فستظل امرأة ضعيفة، وبالتالي يستطيعون الصعود بعد ذلك إلى الحكم صراحة،فما دام أنه قد صعد إلى الحكم امرأة مملوكية، فسيستطيع أن يصعد بعد ذلك رجل مملوك.
🌷د.راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ]
∫∫ الحــ٧٧ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎تولي شجرة الدر لحكم مصر:
توافقت رغبة المماليك مع رغبة شجرة الدر، وقرروا جميعاً إعلان شجرة الدر حاكمة لمصر بعد مقتل توران شاه بأيام في أوائل صفر سنة (٦٤٨) هجرية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وتفجرت ثورات الغضب في كل مكان في مصر، وعم الرفض لهذه الفكرة في أطراف العالم الإسلامي، وخرجت المظاهرات بكثرة في شوارع مصر، في وقت كانت المظاهرات مسموحة،
وحاولت شجرة الدر أن تتدارك الموقف قدر المستطاع، فنسبت نفسها إلى زوجها المحبوب عند الشعب الملك الصالح نجم الدين أيوب، فقالت عن نفسها: إنها ملكة المسلمين الصالحية؛ لتذكر الناس أنها تبع الملك الصالح،
ولكن هذا الكلام لم يكف ولم يوقف الشعب عن المظاهرات، فنسبت نفسها إلى ابنها الصغير ابن الصالح أيوب، فقد كان عندها طفل صغير اسمه الخليل، فلقبت نفسها ملكة المسلمين الصالحية، والدة السلطان خليل أمير المؤمنين، وكأنها تقول: إنها فترة انتقالية حتى يأتي أمير المؤمنين خليل بن الملك الصالح الذي تحبونه، ومع ذلك فإن هذا أيضاً لم يوقف المظاهرات،
فأضافت نفسها إضافة ثلاثة إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله الذي كان يحكم في ذلك الوقت، والذي سقطت بغداد في عهده، فسمت نفسها ملكة المسلمين المستعصمية -نسبة إلى المستعصم -الصالحية- نسبة إلى الصالح أيوب -والدة السلطان خليل أمير المؤمنين،
ومع كل هذه المحاولات للتزلف إلى العامة والعلماء ليقبلوا الفكرة، إلا أن الغضب لم يتوقف، وظهر على كافة المستويات، وبدأ واضحاً للجميع أن البلاد ستدخل في أزمة خطيرة، وأن الوضع في منتهى الحرج، والحملات الصليبية الشرسة لا تتوقف، والإمارات الصليبية منتشرة في فلسطين، وأمراء الشام الأيوبيون يطمعون في مصر، والصراع كان محتدماً جداً بين هؤلاء الأمراء الأيوبيين وبين الملك الصالح نفسه، فما بالكم بالوضع الآن؟
ثم إن هناك الهم الكبير الذي يطرق أبواب المسلمين بعنف وهو التتار، والتتار في ذلك الوقت في سنة (٦٤٨) من الهجرة كانوا على أبواب بغداد في أذربيجان وفارس، ويخططون من أجل إسقاط بغداد، وكان إعداد هولاكو لغزو العراق في بداياته في هذه المرحلة.
استمرت المظاهرات العارمة على المستوى الشعبي في مصر في كل أنحائها، وشرع المتظاهرون في الخروج بمظاهراتهم إلى خارج حدود المدينة، وبدأ الموقف يتأزم بشدة، وقام العلماء والخطباء ينددون بذلك الأمر على منابرهم وفي دروسهم، وكانت الدروس مسموحاً بها في ذلك الوقت،
وكان أشد العلماء غضباً في ذلك الوقت الإمام الجليل العز بن عبد السلام رحمه الله، أبرز العلماء في ذلك الوقت، وأظهر الأمراء الأيوبيون في الشام حنقهم الشديد واعتراضهم المغلظ على صعود النساء إلى كرسي الحكم في مصر،
وجاء رد الخليفة العباسي المستعصم بالله قاسياً وشديداً جداً، بل وساخراً جداً من الشعب المصري كله، فقد قال لهم في رسالته إليهم: إن كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً.
🌷الدكتور راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ]
∫∫ الحــ٧٨ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎زواج شجرة الدر من عز الدين أيبك الصالحي وتوليه لحكم مصر:
لم تتوقف الاعتراضات على الملكة الجديدة، ولم تنعم بيوم واحد فيه راحة، وخافت الملكة الطموحة على نفسها، وبالذات في هذه الأيام، وكان التغيير في هذه الأيام بالسيف بالذبح لا بالخلع أبداً،
ومن هنا قررت الملكة شجرة الدر بسرعة أن تتنازل عن الحكم لرجل تحكم البلاد من خلاله، فحب السلطان يجري في دمها ولا تستطيع أن تتركه، فهي تشعر بإمكانياتها العقلية والإدارية والقيادية، وهي إمكانيات هائلة فعلاً،
ففكرت بأن تمسك بالعصا من نصفها كما يقولون، فتحكم باطناً وتتنحى ظاهراً، ففكرت في لعبة سياسية خطيرة، وهي أن تتزوج أحد الرجال، ثم تتنازل له عن الحكم؛ ليكون هو في الصورة، ثم تحكم هي البلاد بعد ذلك من خلاله أو من خلف الستار، كما يحدث كثيراً في أوساط السياسة،
فكم من الحكام يحكمون وليس لهم من الحكم إلا الاسم، وكم من السلاطين ليس لهم من السلطة نصيب، وما أكثر الرجال الذين سيقبلون بهذا الوضع نظير أن يبقى أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم الوثير، وكرسي الحكم مريح جداً، والذي يجلس فيه لا يحب أن يقوم منه.
وشجرة الدر لا تريد أن تتزوج رجلاً حقيقة، وإنما تريد فقط صورة رجل؛ لأنه لو كان قوياً لحكم هو ولتمسك بمقاليد الأمور في البلاد، فهي تريد رجلاً ضعيفاً، وليس من عائلة قوية أصيلة، حتى لا تؤثر عليه عائلته، فيخرج الحكم من يد الملكة الطموحة، ويا حبذا لو كان هذا الرجل السعيد الحظ من المماليك! حتى تضمن بذلك ولاءهم، وهذا أمر في غاية الأهمية، ولو كان هذا الرجل هو السند الشرعي للحكم، فالمماليك هم السند الفعلي والعسكري والواقعي للحكم.
فوضعت شجرة الدر كل هذه الحسابات في ذهنها، ثم اختارت رجلاً من المماليك اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع، والبعد عن الخلافات والهدوء النسبي، وكانت هذه الصفات حميدة في نظر شجرة الدر، فوجدت في هذا الرجل ضالتها، وهذا الرجل هو《 عز الدين أيبك التركماني》 الصالحي، يعني: من المماليك الصالحية البحرية، من مماليك زوجها الراحل الملك الصالح نجم الدين أيوب،
ولم تختر رجلاً من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس أو غيرهما؛ وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع،
وبالفعل تزوجت شجرة الدر من عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الحكم رسمياً، وذلك بعد أن حكمت البلاد (٨٠) يوماً فقط، وتم هذا التنازل في أواخر جمادى الآخرة من سنة (٦٤٨) من الهجرة.
___
وفي غضون سنة واحدة جلس على كرسي الحكم في مصر أربعة ملوك، الملك الصالح أيوب رحمه الله، ثم مات، فتولى توران شاه ابنه، ثم قتل، فتولت شجرة الدر، ثم تنازلت، فتولى عز الدين أيبك التركماني الصالحي , فقد كانت سنة فتن وانقلابات ومؤامرات ومكائد، وتلقب عز الدين أيبك بـ الملك المعز، وأخذت له البيعة في مصر.
وكأن هذه الأحداث قد تمت بكاملها كنوع من التمهيد؛ لقبول فكرة صعود المماليك إلى كرسي الحكم في مصر، فقد قبل الشعب المصري بالوضع الجديد، فهو وإن لم يكن مثالياً في رأيهم، إلا أنه أفضل حالاً من تولي امرأة،
وعز الدين أيبك كان مملوكاً، ولكنه أعتق، ومع ذلك فقد كان يعتبر مملوكاً، لكن أفضل من المرأة، كما أن البديل من الأيوبيين في مصر غير موجود، وكذلك غير موجود في الشام، ونحن رأينا أمراء الأيوبيين في الشام في منتهى الضعف، فقد كانوا على شاكلة الناصر يوسف الأيوبي والأشرف الأيوبي والملك السعيد حسن بن عبد العزيز وغيرهم، ولم يكن فيهم ضعف فقط، بل ضعف وسوء خلق وعمالة وخيانة وما إلى ذلك، فالشعب المصري في ذلك الوقت قبل بالملك المعز عز الدين أيبك التركماني , وبدأت الأمور تهدأ في مصر.
🌷الدكتور راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ]
∫∫ الحــ٧٩ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎نشأة المماليك المعزية وتعكر العلاقة بين الملك المعز والمماليك الصالحية:
بدأت شجرة الدر تحكم من وراء الستار، وهي مؤيدة بالمماليك الأقوياء، وبالذات فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس،
ولكن يبدو أن ذكاء شجرة الدر قد خانها عند اختيار ذلك الرجل الملك عز الدين أيبك، فهذا الرجل لم يكن بالضعف الذي تخيلته شجرة الدر، بل بالعكس، فقد كان في منتهى الذكاء، وقد عرف خطورة إخوانه من المماليك البحرية، وخطورة شجرة الدر،
فبدأ يرتب أوراقه في حذر شديد، فلم يصطدم بـ شجرة الدر أو زعماء المماليك البحرية في أول أمره، بل بدأ يعد العدة في تدرج، وبدأ يشتري مماليك خاصة به، ويعدهم كقوة مملوكية عسكرية تدين له شخصياً بالولاء، وانتقى من مماليك مصر من يصلح لهذه المهمة، وكون ما يعرف في التاريخ بالمماليك المعزية نسبة إليه، ووضع على رأس هذه المجموعة أبرز رجاله وأقوى فرسانه وأعظم أمرائه مطلقاً، وهو سيف الدين قطز رحمه الله، وهذا أول ظهور تاريخي للبطل الإسلامي الشهير سيف الدين قطز، فقد كان يشغل مركز قائد مجموعة المماليك الخاصة بالملك المعز عز الدين أيبك.
ومع أن الملك المعز عز الدين أيبك نفسه من المماليك البحرية، إلا أن المماليك البحرية بدءوا يغارون منه بشدة، وبدأت تظهر عوامل كبيرة جداً من الحسد بين الطائفتين،
فـ الملك المعز لم يكن له أي قيمة في المماليك البحرية، ومع ذلك وصل إلى كرسي الحكم في مصر، وهناك من المماليك من كانت له القوة والباع والتاريخ، ولم يصل إلى ما وصل إليه، فهذا يلقب بـ الملك المعز عز الدين أيبك، وهؤلاء يلقبون بالمماليك، وشتان!
فظهرت عوامل الغيرة والحسد من المماليك، وبالذات من فارس الدين أقطاي، وكما يقول المقريزي في كتابه (السلوك لمعرفة دول الملوك): لقد بالغ فارس الدين أقطاي في احتقار أيبك والاستهانة به، فكان يناديه باسمه مجرداً من أي ألقاب، ويقول له: يا أيبك! فهذه المعاملة من أقطاي جعلت عز الدين أيبك يحس من داخله أن المماليك البحرية، وقد يكون الشعب من ورائهم ينظرون إليه على أنه مجرد زوج للملكة المتحكمة في الدولة، مما جعله جدياً يفكر في التخلص من زعماء المماليك البحرية، ومع ذلك لم يتسرع.
مرت بعض الشهور والسنوات وحدث لقاءان كبيران بين الجيش المصري والجيش الشامي، فقد حاول الجيش الشامي أن يغزو مصر أكثر من مرة، وقد انتصر الملك المعز مرتين انتصاراً باهراً على الشاميين، بل وضم فلسطين مرة أخرى إلى مصر، وكانت الشام قد انفصلت عن مصر بعد وفاة الملك الصالح رحمه الله.
ثم بدأ يعيد من جديد تكوين الدولة التي تركها الملك الصالح أيوب رحمه الله، وهذا العمل رفع من قيمته جداً عند الشعب المصري.
🌷الدكتور راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ]
∫∫ الحــ٨١ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎مقتل الملك المعز وشجرة الدر:
في سنة (٦٥٥هـ) وبعد مرور سبع سنوات كاملة على حكم الملك المعز عز الدين أيبك أراد هذا الملك أن يثبت أقدامه بصورة أكبر في المنطقة، فأراد أن يعمل حلفاً، ولكنه خشي عليه المؤامرات والمكائد والخيانة التي كثرت في هذا الزمن، فأراد أن يوثقه برباط غليظ لا يفصم بسهولة، وهو الزواج، فأحب أن يتزوج من بنت أو أخت ملك من ملوك المنطقة، ويوحد جيشه مع جيش هذا الملك حتى تصبح لهما السيطرة على المنقطة بأكملها،
فاختار بنت حاكم الموصل الأمير الخائن الذي تكلمنا عليه كثيراً قبل ذلك بدر الدين لؤلؤ، فعرفت شجرة الدر بهذا الأمر فاشتعلت الغيرة في قلبها، فركبها الهم والغم، وعلمت أنه لو تم هذا الزواج الجديد فستطوى شجرة الدر تماماً من التاريخ، وأعمتها الكراهية عن حسن تقدير الأمور، ونسيت الحكمة التي تميزت بها، ولم تقدر أن زعماء المماليك البحرية قد هربوا إلى الشام، وأن القوة الحقيقية الآن في أيدي المماليك المعزية، الذين يدينون بالولاء والطاعة للملك المعز عز الدين أيبك، فلم تقدر كل ذلك،
وقررت بعاطفة المرأة أن تقدم على خطوة غير مدروسة، وهي قتل الزوج الملك المعز عز الدين أيبك، وليكن ما يكون،
وبالفعل دبرت مؤامرة لئيمة لقتل زوجها الملك، وتم تنفيذ المؤامرة فعلاً في شهر ربيع الأول سنة (٦٥٥) من الهجرة، وانتهى بذلك حكم الملك المعز عز الدين أيبك بعد سبع سنوات من جلوسه على عرش مصر،
وبهذا تكون شجرة الدر قتلت اثنين من سلاطين مصر: توران شاه من قبل، وعز الدين أيبك، وعلم الجميع بجريمة القتل،
فأسرع سيف الدين قطز قائد الجيش والذارع اليمنى للملك المعز عز الدين أيبك ومعه ابن عز الدين أيبك من زوجته الأولى نور الدين علي وكان عمره (١٥) سنة، أسرعا ومعهما فرقة من المماليك المعزية وألقيا القبض على شجرة الدر،
وطلبت أم نور الدين علي وزوجة الملك المعز عز الدين أيبك الأولى أن يترك لها الأمر في التصرف مع ضرتها شجرة الدر، وكانت النهاية المأساوية المشهورة أن أمرت أم نور الدين جواريها أن يقتلن الملكة السابقة ضرباً بالقباقيب،
ولعل هذا هو حادث القتل الوحيد في القصة الذي له خلفية شرعية مقبولة، فـ شجرة الدر قتلت عز الدين أيبك دون مبرر معقول،
فليس الزواج من امرأة أخرى جريمة، وليس الانفراد بالحكم دون الانصياع لحكم الزوجة جريمة، ولذلك لم يكن لديها مسوغ شرعي للقتل، فكان لابد أن تقتل،
ولكن من المؤكد أن الطريقة التي قتلت بها لم تكن طريقة شرعية أبداً، بل كانت طريقة نسائية بحتة، لم يقصد منها القصاص فقط، بل قصد منها الإهانة والتحقير والذل، مثل ما فعل بـ المستعصم بعد ذلك عند سقوط بغداد، عندما قتل رفساً بالأقدام،
وهذه نهايات خاصة جداً يكتبها الله عز وجل لبعض الملوك، ممن لم يرع لله عز وجل حقاً، ولم يرع للشعب حقاً.
💎ولاية نور الدين علي بن الملك المعز:
بعد مقتل الملك المعز عز الدين أيبك، ومقتل شجرة الدر بويع لـ نور الدين علي بن عز الدين أيبك، وكان عمره (١٥) سنة، وهذه تعتبر مخالفة كبيرة ولا شك، ولكن لعله قد وضع في هذا التوقيت لكي يوقف النزاع المتوقع بين زعماء المماليك على الحكم، وتلقب السلطان الجديد بلقب المنصور.
وتولى الوصاية عليه أقوى الرجال في مصر في ذلك الوقت، وهو (سيف الدين قطز) رحمه الله قائد الجيش وزعيم المماليك المعزية، وأكثر الناس ولاء للملك السابق المعز عز الدين أيبك.
وكانت هذه البيعة لهذا السلطان الطفل في سنة (٦٥٥) من الهجرة، وأصبح الحاكم الفعلي لمصر من وراء الستار هو سيف الدين قطز رحمه الله.
فمن هو سيف الدين قطز؟ وكيف سيكون الوضع في مصر في سنة (٦٥٥) وما بعدها؟
وتذكروا أن بغداد قد سقطت في سنة (٦٥٦) من الهجرة، واجتيحت الشام بعد ذلك كما ذكرنا في الدرس السابق.
فكيف سيكون رد فعل سيف الدين قطز؟ وكيف سيعد الجيش المصري والشعب المصري لملاقاة التتار؟ هذا ما سنعرفه وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
🌷الدكتور راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
✍المحـ8ـاضرة [قطز وبناء الأمة ]
∫∫ الحــ٨٢ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎نبذة مختصرة عن قطز رحمه الله:
هذه المحاضرة الثامنة من محاضرات قصة التتار في المحاضرة السابقة تحدثنا عن المماليك ونشأتهم وتربيتهم،وعن عدم استقرار الحكم في مصر في أوائل الفترة التي تسلم فيها المماليك حكم البلاد، وتحدثنا أيضاً عن موت الملك الصالح نجم الدين أيوب،ثم ولاية ابنه توران شاه، ثم قتله،ثم ولاية شجرة الدر، ثم تنازلها، ثم ولاية الملك المعز عز الدين أيبك لمدة سبع سنوات كاملة، انتهت بقتله على يد شجرة الدر،ثم ولاية ابن الملك المعز عز الدين أيبك وهو لم يتجاوز بعد الخامسة عشرة من عمره
وذكرنا أن الذي تولى الوصاية عليه هو أقوى الرجال في مصر في ذلك الوقت،
وهو قائد الجيش المصري سيف الدين قطز
سيف الدين قطز هو واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين،واسمه الأصلي محمود بن ممدود، وهو من بيت مسلم ملكي أصلي
وسبحان الله! كم هي صغيرة هذه الدنيا! فـ قطز هو ابن أخت جلال الدين بن محمد بن خوارزم وجلال الدين الذي هزم التتار مرتين، ثم هزم وفر إلى الهند، ثم عاد إلى أرض فارس وقتل الكثير من المسلمين إلى أن قتل على يد فلاح كردي
فالتتار لما أمسكوا بعضاً من أهل جلال الدين بن خوارزم بعد فراره إلى الهند، كان قطز أحد هؤلاء الذين أمسكهم التتار، فقتلوا بعضهم وأبقوا بعضهم؛ ليباعوا في سوق الرقيق، وكان ممن بقي محمود بن ممدود أو قطز
والتتار هم الذين أطلقوا على قطز اسم قطز، وهذه الكلمة بالتترية تعني:الكلب الشرس، فقد كان واضحاً على قطز علامات القوة والبأس من صغره، فلذلك أطلق عليه التتار هذه الكلمة، ثم باعوه بعد ذلك في أسواق الرقيق في دمشق، واشتراه أحد الأيوبيين وجاء به إلى مصر، ثم انتقل من سيد إلى غيره حتى وصل في النهاية إلى الملك المعز عز الدين أيبك؛ليصبح أكبر قواده
ولعلنا نلحظ بوضوح في قصة قطز التدبير العجيب لرب العالمين! فالتتار مكروا بالمسلمين، واسترقوا أحد أطفالهم، وباعوه بأنفسهم في دمشق، ثم بيع بعد ذلك من واحد إلى آخر، ووصل إلى بلد لم يرها قبل ذلك، ولعله لم يكن يسمع بها أصلاً في هذه السن الصغيرة، ليصبح في النهاية ملكاً على هذا البلد، وتكون نهاية التتار -الذين قاموا بنقله من أقاصي بلاد المسلمين إلى مصر- على يد هذا المملوك الذي كان يباع ويشترى
وسبحان الذي يدبر بلطف،ويمكر بحكمة،ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء,{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:٥٠]
وقطز كبقية المماليك نشأ على التربية الدينية القوية، وتشبع بالحمية الإسلامية القوية، وتدرب منذ صغره على فنون الفروسية وأساليب القتال، وعلى أنواع الإدارة وطرق القيادة، فنشأ رحمه الله شاباً فتياً أبياً محباً للدين معظماً له
وكان رحمه الله قوياً صبوراً جلداً، بالإضافة إلى أنه ولد في بيت ملكي، فكانت طفولته طفولة الأمراء، وهذا أعطاه ثقة كبيرة في نفسه، فهو لم يكن غريباً على أمور القيادة والإدارة والحكم، وفوق كل هذا فإن أسرته قد هلكت تحت أقدام التتار، وقد رأى بعينه أفعال التتار في بلاده يوم أن كان صغيراً، وهذا ولا شك جعله يفقه جيداً مأساة التتار،وليس من رأى كمن سمع.
كل هذه العوامل مجتمعة صنعت من قطز رجلاً ذا طراز خاص جداً، يستهين بالشدائد تماماً، ولا يرهب أعداءه، مهما كثرت أعدادهم، أو تفوقت قواتهم
ولقد كان للتربية الإسلامية العسكرية
،والتربية أولاً على الثقة بالله أثر كبير جداً في حياة قطز رحمه الله
💎ظهور الاضطرابات في مصر أثناء حكم نور الدين علي:
تحدثنا عن قتل الملك المعز عز الدين أيبك وقتل زوجته شجرة الدر بعده ضرباً بالقباقيب،ثم تولى الحكم السلطان الطفل المنصور نور الدين علي بن عز الدين أيبك الملك المعز، وتولى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير؛ لأن سيف الدين قطز كان قائد الجيش،وأكبر رءوس الجيش في زمن الملك المعز
وكما أحدث صعود شجرة الدر إلى كرسي الحكم قبل ذلك اضطرابات كثيرة جداً في مصر وفي العالم الإسلامي،كذلك أحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم نفس الاضطرابات
وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قبل بعض المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر ولم يهربوا إلى الشام مع من هرب منها أيام الملك المعز عز الدين أيبك
وتزعم الثورة في مصر(سنجر الحلبي)أحد هؤلاء المماليك البحرية، وقاد حملة لتغيير نظام الحكم وإعادة المماليك البحرية في الصورة، وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عز الدين أيبك
فاضطر قطز إلى القبض عليه وإلى حبسه،وكذلك قبض على بعض رءوس الثورات المختلفة،فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام؛يلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك أيام المعز
ولما وصل المماليك البحرية إلى الشام
،شجعوا الأمراء الأيوبيين على غزو مصر،فاستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء ومنهم أمير الكرك مغيث الدين عمر
🌷د.راغب السرجاني
عمر عبد الكافي
16:27
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت
✍المحـ8ـاضرة [قطز وبناء الأمة ]
∫∫ الحــ٨٣ـلقة ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎غزو أمير الكرك لمصر:
كان مغيث الدين عمر رجلاً ضعيفاً جداً، ومع ذلك كان صاحب أطماع أكبر من حجمه، فتقدم بجيشه ناحية مصر، ووصل إليها في ذي القعدة سنة (٦٥٥) من الهجرة، وحاول غزوها، فخرج له قطز رحمه الله وهزمه هزيمة منكرة، فرجع مغيث الدين والأحلام تراوده بغزو مصر من جديد، فعاد مرة أخرى في ربيع الآخر سنة (٦٥٦) من الهجرة، يعني: بعد عدة أشهر من الهزيمة الأولى فهزم مرة ثانية.
وهنا أمر خطير جداً، فالغزوة الثانية التي حاول فيها المغيث عمر الأيوبي أن يغزو مصر كانت في ربيع الآخر سنة (٦٥٦) من الهجرة، بعد سقوط بغداد بشهرين فقط،
فبدلاً من توجيه كل الطاقة إلى قضية التتار، إذا به يتوجه لحرب المسلمين! وهذا هو مرض الحول السياسي الذي أشرنا إليه من قبل، فـ مغيث الدين هذا كان مسكيناً مصاباً بهذا المرض الخطير.
سقطت بغداد في صفر سنة (٦٥٦) من الهجرة، وبدأ هولاكو في الإعداد لغزو الشام، وحاصر ابنه أشموط ميافارقين بداية رجب سنة (٦٥٦) من الهجرة، وبدأ هولاكو في التحرك من فارس إلى الشام مروراً بشمال العراق في سنة (٦٥٧) هجرية، واحتل نصيبين والرها والبيرة، وكل هذه المدن في جنوب تركيا كما ذكرنا قبل ذلك، واقترب من حلب، وأصبح واضحاً أن هولاكو لن يهدأ حتى يسقط الشام بكامله، وبعد الشام لابد أن تكون الخطوة التالية هي مصر.
💎عزل السلطان عز الدين علي وتولي قطز الحكم:
قطز رحمه الله وإن كان يدير الأمور فعلياً في مصر، إلا أن الذي يجلس على الكرسي سلطان طفل، ولا شك أن هذا كان يضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع من ثقة الناس بملكهم، ويقوي كذلك من عزيمة الأعداء عندما يرون الحاكم طفلاً.
في ضوء الخطر التتري الرهيب، والمشاكل الداخلية الطاحنة، والاضطرابات وثورات المماليك البحرية، وأطماع الأمراء الأيوبيين الشاميين لم يجد قطز رحمه الله أي معنى لأن يبقى السلطان الطفل نور الدين علي على كرسي أهم دولة في المنطقة وهي مصر، والتي لم يعد هناك أي أمل في صد التتار إلا فيها،
وهنا أخذ قطز رحمه الله القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي، وصعود قطز بنفسه على عرش مصر، ولم يكن هذا القرار غريباً، فـ قطز كان هو الحاكم الفعلي للبلاد، والجميع بما فيهم السلطان الطفل نفسه نور الدين علي يدركون ذلك تمام الإدراك، ولكن قطز لم يكن يتحرك إلا من خلف هذه الصورة الهزلية المضحكة، وهي صورة السلطان الطفل، فما كان من قطز إلا أن أخذ هذا القرار الجاد في (٢٤) ذي القعدة سنة (٦٥٧) من الهجرة؛ ليظهر من ورائها الأسد الهصور قطز رحمه الله الذي على يديه ستتغير معالم الأرض وجغرافية العالم، وتتغير كثير من صفحات التاريخ.
وقبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام، ومنذ أن صعد قطز رحمه الله إلى كرسي الحكم، بدأ يعد العدة للقاء التتار، وحدثت أحداث جسام على أرض مصر، فقد انتهج نهجاً جديداً على ذلك الزمن، ورفع رايات جديدة ما رفعت منذ أمد، وجهز جيوشاً ما جهزت منذ أزمان بعيدة، وفي عهده كان اليوم الذي لا يشبهه من أيام الزمان إلا قليل، وأما كيف حدث كل ذلك، فتعالوا نرى وننظر إلى قطز رحمه الله كيف عمل؟ وكيف استلم البلاد؟ وكيف وصل بها إلى ما وصل إليه رحمه الله؟!
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع