Search This Blog

شعب الهونزا

الهونزا
شعب من الزهاد، ذلك هو شعب الهونزا الصغير الذي يعيش في مساحة أرض ضيقة شمال كشمير بين أفغانستان شرقاً والصين غرباً وسط أودية جبال الهملايا، إنه يشكل آلافاً قليلة من الناس التي لا تعرف المرض ولا حملات التطعيم والتعقيم إذ أن الهونزويون لا يحتاجون إليها وذلك لأنهم اعتادوا العيش على الغذاء الخام. يمارس الهونزا الزراعة في البساتين والحقول التي تقع بين سلسلتي جبال وعرتين وقد ظل حتى التسعينيات من هذا القرن محافظا على هويته وعاداته وتقاليده الصحية منذ آلاف السنين.
درس د. روبرت مكايدزون الطبيب والأنثروبولوجي الأميريكي حياة هذا الشعب على مدى سنوات وكشف عن سر صحة أبنائه التي تثير الدهشة مؤكدا أن تناولهم للطعام الطبيعي المكون من الثمار والخضروات هو السبب الأساسي في خلو أبدانهم من الأمراض ونشر ذلك في كتابه المشهور (دراسة الأمراض التي تسببها التغذية المغلوطة).
في عام 1963 دخل فريق عمل روسي أرض هذا الشعب مؤلف من ثلاثة أطباء وعالم بيولوجي وعالم نبات وعالم اثنوجرافيا وظلوا شهورا في ضيافة هذا الشعب كي يدرسوا عاداته وأساليبه وحياته الصحية وليقارنوا بينه وبين شعوب أخرى تعيش في ذات المناخ والبيئة الجغرافية ووجدوا أن تلك الشعوب تعاني من عدد من الأمراض الخطيرة ومن انخفاض معدل العمر عندها نسبة إلى الهونزا ليعلنوا بعد هذا إلى أن مناخ الجبال وهواءها النقي وظروف العيش وسط الطبيعة بعيدا عن البيئة الملوثة للمدينة لم يكن العامل الحاسم في صحة شعب الهونزا عن غيره، بل لاستخدام بقية الشعوب طرق الطهي السيئة وتناول اللحوم الحمراء.
أثار انتباه الدارسين أن الهونزا لا يتمتع بمستوى صحي مثالي فقط، بل بقدرة خارقة على الاحتمال فعندما يحل الشتاء الثلجي وتتجمد مياه الأنهار والبحيرات يحفر بعض الهونزا ثقبين في الجليد، يغطس في احدهما إلى الماء المثلج تحت طبقة الجليد ثم يخرج من الثقب الآخر في غاية النشاط والحيوية دون أن يصيبه تعب أو مرض، وهذه واحدة من أنواع الرياضة عند الهونزا الذي يحيا في بيوت لا تعرف وسائل التدفئة الحديثة وليس لديه من الوقود ما يكفي لطبخ الطعام إذ يفضل شعب الهونزا تحمل صقيع الشتاء والبرد على «تجويع» شجرة أو نبتة، فهم يستخدمون الروث الحيواني باعتباره سماداً طبيعياً للأشجار التي لا يقطعون أي غصن فيها للتدفئة، ويكتفون في أيام العواصف المثلجة بإشعال أغصان صغيرة من أشجار الجبل وأدغال السفوح ولا يجرؤون على حرق الروث الثمين الذي يقدرون قيمته كغذاء لأشجارهم التي تمنحهم الثمار.
يتألف غذاء الهونزا السحري الذي متعهم بالصحة الدائمة من ثمار نيئة وخضار وبعض الثمار العنبية البرية أو المزروعة ويتناولون هذه الأطعمة طازجة صيفا مجففة شتاء ولا يتناولون الخمر أبدا ويندر أن يستخدموا الجبنة والزبدة، بل يكتفون بالحليب إذا تيسر لهم، أما اللحوم فيتناولونها في مناسبات نادرة جدا ويفضلون بيع هذه (المواد) إلى الشعوب المجاورة، والغريب أن رضاعة الطفل تستمر مدة ثلاث سنوات للولد وسنتين للبنت، وذلك سر تمتع أطفالهم بتلك الصحة الوافرة.
يمارس الهونزا أعمالا شاقة وكثيرة بدءا بالأعمال المنزلية وحفر الخشب والنقش والتطريز والنسيج والعمل وسط الجبال الوعرة صعودا وهبوطا، وقد أسهمت هذه الأعمال في بناء أجساد متينة حتى أن بعض شيوخهم جاوزوا الخامسة والعشرين بعد المئة وبوسعهم التنزه (على الأقدام طبعا) لمسافة عشرة كيلومترات بين الجبال.
لاحظ الدارسون لحياة شعب الهونزا أنهم يعملون كأنهم يلعبون ويلعبون وكأنهم يعملون لمرحهم وتفاؤلهم الدائم وانعدام الحركات العصبية وفوضى الثرثرة وكثرة الإشارات وعدم الاستقرار على حال.
تنمو أشجار المشمش بريا لدى الهونزا وهم يعاملونها باحترام ويحصرون على تسميدها وأحيانا يقطعون ثمارها للأكل أو للتجفيف ويأكلون لب النوى أو يستخرجون زيته ويستخدمون خشبها للتدفئة أحيانا، لكن أهم مسألة أنهم يحضرون من ثمار المشمش شرابا تضاف إليه بعض الثمار والمياه المعدنية ويتناولون منه قدحا مليئا أيام ربيع الجوع، وهي أيام السبات الشتوي التي تستمر ثلاثة أشهر قاسية يتجمع الهونزا فيها في بيوتهم لصعوبة التعامل مع المناخ القاسي وتقل مواردهم الغذائية فيعمدون إلى شرب ثمار المشمش باعتباره أكسير حياة تجعلهم يتمتعون بصحتهم التي أدهشت الآخرين.
إن احترام خير الطبيعة والالتزام بما تعطيه وحدها من خير غذائي دون تدخل من الدهون والزيوت والقدور المعدنية وشعلة النار المفسدة للغذاء الطبيعي قد مكن هذا الشعب الصغير الحيوي من العيش دون مرض أو كسل أو أعصاب تالفة بسبب إيقاع الحضارة الجارف وتنوع أطعمتها المجمدة والمحفوظة. والآن.. ما رأيكم في رحلة إلى بلاد الهونزا.. وإن طال السفر

No comments:

Post a Comment

اكتب تعليق حول الموضوع

mcq general

 

Search This Blog