اسلاميات بعض احكام الطهارة :


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

فهذه بعض الأحكام المتعلقة بالطهارة نظرا لكثرة الأسئلة عليها خصوصا في أمور النساء ونسأل الله ان ينفع بها .

الغسل أو الاغتسال :

يجب الغسل في الحالات التالية :

 -خروج المني في اليقظة أو في النوم.

- الجماع وإن لم ينزل.( ولم لم ينزل المني)

- انقطاع الحيض والنفاس.

يبقى هناك حالتان وهما : ( غسل الجمعة) و (اغتسال الكافر اذا اسلم) سأفصل حولهما ان شاء الله 

- غسل الجمعة : 

اختلف في حكمه بين المتقدمين والمتأخرين و الذي عليه اكثر اهل العلم انه سنة وهو قول الجمهور من المذاهب الاربعة و هو الاظهر خلافا للآخرين الذين يرون بوجوبه منهم الشيخ العثيمين رحمه الله لكن الاظهر انه سنة  لما يلي :

قال الموجبون له ان حديث "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم..." رواه البخاري ومسلم قالوا يفيد الوجوب ولا يوجد صارف لهذا الحديث الى السنية ، و لكن بعد بحث طويل تبين لنا انه يوجد صارف لهذا الحديث ويبين انه مستحب :

حديث :"من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى االجمعة فاستمع وأنصت غفر  له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاث أيام ، ومن مس الحصى فقد لغا" رواه الامام مسلم رحمه الله في صحيحه 

فيه دليل على أن الوضوء كاف للجمعة .

وحديث : "كان الناسُ يَنتابونَ يوم الجُمُعةِ من منازلِهم والعوالي، فيأتون في الغُبارِ، يُصيبُهم الغبارُ والعَرَقُ، فيخرج منهم العرقُ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أنَّكم تَطهَّرتُم ليومِكم هذا " رواه البخاري ومسلم .

قوله لو انكم تطهرتم ليومكم هذا دال على الاستحباب وليس الوجوب ، لأنه في موضع نصح وهذا اكبر صارف للاستحباب .

من الآثار : 

عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمرَ بن الخطَّابِ بينما هو قائمٌ في الخُطبة يومَ الجُمُعة إذ دخَلَ رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فناداه عمرُ: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟ قال: إنِّي شُغِلتُ فلم أنقلبْ إلى أهلي حتى سمعتُ التأذينَ، فلم أزِدْ أن توضَّأتُ...."

رواه البخاري ومسلم .

عمر رضي الله عنه لم يأمر هذا الصحابي - وهو عثمان بن عفان  على ما جاء في الروايات الأُخرى- بالانصراف للغسل، ولا انصرَف عثمان حين ذكره عمر بذلك، ولو كان الغسل واجبا لانصرف .

أيضا :  عن ابنِ عباس قال: "غسل الجمعة ليس بواجب، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، وسأُخبركم كيف كان بدء الغسل..." حسَّن إسناده النووي في (المجموع) ، وحسنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) ، والوادعي في (الصحيح المسند).

والحاصل أن المذاهب الأربعة على استحباب غسل الجمعة وأنه ليس بواجب وهو الراجح إلا أنه ينبغي المحافظة على فعله قدر الإمكان لما ورد من الترغيب فيه ولما في فعله من الخروج من الخلاف المعتبر. والله أعلم.

-اسلام الكافر :

غسل الكافر إذا أسلم اختلف أهل العلم في وجوبه، فقد أوجبه بعضهم، وقيد بعضهم الوجوب بما إذا كان قد حصل منه موجب للاغتسال كالجنابة والحيض والنفاس، فقد ذهب المالكية في قول عندهم والحنابلة إلى وجوب الغسل على الكافر الأصلي، والمرتد إذا أسلم، لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه: أن ثمامة بن أثال رضي الله عنه أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل. متفق عليه.

وذهب الحنفية والشافعية إلى استحبابه لا وجوبه على الكافر الذي اسلم و جاء في بعض رواياتهم ما لم يكن جنبا ، لعدم استفاضة النقل بالأمر به مع كثرة الداخلين في الإسلام ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن، لم يذكر الغسل، ولو كان واجبا لأمرهم به، لأنه أول واجبات الإسلام .

وأنا أميل إلى القول باستحباب الغسل لغير الجنب لا إيجابه، لأن هذا هو الأقرب إلى طبيعة الإسلام في تيسير الدخول فيه لمن أراد والله تعالى أعلم والأفضل هو قيامه بالغسل خروجا من الخلاف سواء كان وجوبا او استحبابا و زيادة طهارة .

أركانه:

1- النية. 2- تعميم البدن بالماء. فمتى تحقق الشرطان ارتفعت الجنابة او الحيض او النفاس .

اما صفته المستحبة:

1- غسل اليدين، [مرتين أو ثلاثاً].

2- غسل الفرج.

3- الوضوء.

4- أخذ الماء وإدخال الأصابع في أصول الشعر.

5- ثلاث حفنات من الماء على الرأس.

6- مع تعميم الماء على سائر الجسد طبعا .

 تنبيه:

- لا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، و تفعل ذلك في الغسل من الحيض ( احتياطا)  لأن لفظ  (والحيض) في الحديث هي شاذة  بعد التحري والبحث والله اعلم لكن تفعل ذلك احتياطا لأن هذا عليه العمل عند اكثر أهل العلم .

- يجوز للزوجين أن يغتسلا معاً في مكان واحد، ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه.

*****

* في بيان صفة  المني والمذي والودي   :

كثيرا ما يسأل الإخوة عن هذا السؤال بما فيه بعض الاخوات فسنبين احكام ذلك إن شاء الله بتفصيل .

 -بين العلماء صفة مني المرأة بيانا يتميز به عن غيره، وذكروا أن له صفتين يعرف بإحداهما، فإحداهما: رائحته المشابهة لرائحة مني الرجل، ورائحة مني الرجل كرائحة طلع النخل، والثانية: خروجه بشهوة، أي حصول التلذذ بخروجه، وما يعقب خروجه من الفتور في البدن و لونه اصفر غالبا .

 قال النووي رحمه الله: وأما منى المرأة فهو أصفر رقيق، وقد يبيض لفضل قوتها، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما؛ إحداهما: أن رائحته كرائحة منى الرجل، والثانية: التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه. قال ويجب الغسل بخروج المنى بأي صفة وحال كان. 

 وليس يلزم اجتماع هذه الصفات كلها فيه حتى يحكم بكونه منيا، بل متى وجدت إحداها حكم بكونه منيا

-وقال رحمه الله  : والمذي ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة، لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر منه في الرجال.

-والودي : وهو ماء أبيض كدر ثخين خاثر يخرج عقب البول حيث استمسكت الطبيعة، أو احيانا عند حمل شيء ثقيل

فالمني إذاً يعرف بعدة علامات:

1ـ الخروج بشهوة ولذة أي يشعر الشخص باللذة وقت خروجه.

2ـ الإحساس بالفتور بعد خروجه.

3ـ له رائحة كرائحة طلع النخل أو العجين

4ـ إن كان من المرأة يزيد كونه أصفر رقيقا.

فما خرج من المرأة غير متصف بالأوصاف المذكورة فليس منيا والسائل الخارج بعد إثارة الشهوة أو التفكر فيها يكون غالبا مذيا .

ويضاف الى ذلك للنساء رطوبات وهي التي تكون من غير سبب تقدمها كفكر أو نحوه وهي من رطوبات الفرج ولا تكون تجري سائلة ، وهي لا توجب الغسل، وإنما توجب الوضوء مع كونها طاهرة لا توجب تطهير ما أصاب البدن والثياب منها على الراجح لعدم ورود الدليل على نجاستها وهو رأي الإمامان الشافعي واحمد رحمهما الله ، والله اعلم .

ولا يجب الغسل مما ذكرنا الا من خروج المني ، ويستحب ان يطهر موضعه من الثياب لأن المني وان كان موجبا للاغتسال الا انه طاهر ولا يؤثر في الثياب على الراجح .

 اما المذي فهو لا يوجب الاغتسال بل يوجب الوضوء فقط الا انه نجس في الثياب يجب غسل موضعه حسب ماذكر  العلماء وهذا الذي به العمل عند الأكثرين .

أما الودي فهو نجس بالاجماع لأن حكمه حكم البول يجب تطهير موضعه من الثياب باتفاق .

وانبه على أنه لو حصلت جنابات عديدة فغسل واحد في الاخير يرفع كل ذلك ، وكذلك لو اجتمع لامرأة جنابة وحيض فإن غسلا واحدا يرفع الجميع .

فتغتسل مرة واحدة بنية الحيض والجنابة، وبذلك تطهر طهارة كاملة. ولو اغتسلت للحيض وحده ارتفعت الجنابة على الراجح.

وقد استحب بعض العلماء لها أن تغتسل من الجنابة ولو كانت حائضا، وترتفع جنابتها إذا اغتسلت، وإذا انقطع عنها دم الحيض اغتسلت من الحيض أيضا .

فالحائض غير الجنب يباح لها قراءة القرآن كما ذكرنا في المنشور السابق وهو رأي المالكية ومن وافقهم والذي عليه اكثر المعاصرين كالشيخ الالباني رحمه الله وغيره فتغتسل وهي حائض بنية رفع الجنابة فترتفع جنابتها وتبقى حائضا فيباح لها قراءة القرآن .

-فيما يتعلق بالاحتلام  : 

اذا احتلم رجل او امراة كأن رأى حلما ما وعند استيقاظه لم يجد شيئا فلا شيء عليه أما اذا استيقظ ووجد بللا سواء رأى حلما أو لم يرى فالعبرة بما يجده عند استيقاظه .

  فإن كان بعد حلم فهو مني غالبا أما إن كان بدون حلم ينظر في صفته ويتحرى ما وجد سواء كان رجلا او امرأة ويجتهد حسب التفريق الذي ذكرنا فوق في خاصية كل واحد ، و يحاول ان يرجح على ما غلب على ظنه ، فإن تعذر ولم يعرف ولم يتمكن من ترجيح بين هل هو مني ام مذي كون الخصائص غير ظاهرة أو ما شابه 

فإن بعض اهل العلم يرون ان يغتسل احتياطا ويطهر محل الثوب ، و هناك من أهل العلم من يخيره في جعله منياً فيغتسل أو مذياً فيتوضأ، وهذا مذهب الشافعية وهو الأرفق دفعا للحرج وهو الموافق للتيسير ، وما جعل عليكم في الدين من حرج .

أما من كان به وسواس وهو يظن انه خرج منه شيء وبعد التحري لم يجد شيئا فلا يلتفت الى ذلك وعليه ان يجاهد نفسه ويستعيذ بالله تعالى ،لأن الشيطان يخنس عند الذكر ويبتعد عن العبد عند الاستعاذة . والمقياس الذي تسير عليه ولا تلقي بالا لغير ذلك هو رؤيتك للمني على بدنك أو ثوبك لقوله صلى الله عليه وسلم " عندما شكا إليه رجل أنه يجد في صلاته شيئا أيقطع الصلاة " قال: " لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " متفق عليه .

 فما دمت لم تر شيئا فلا شيء عليك ولا يجوز لك الانسياق خلف الوساوس والأوهام.

-سلس البول : 

الانسان المريض بسلس وهو خروج البول كل مرة ، فإن كان منقطعا يتحرى صاحبه وقت انقطاعه وينظف محل النجاسة و يتوضأ ويصلي ولو اضطر الى تأخير الصلاة الى آخر وقتها لأنه من اصحاب الأعذار ولا يتوضأ قبل دخول وقت الصلاة .

فإن توضأ قبل دخول الوقت بعدما طهر المحل ونزل منه شيء بعد دخول الوقت بطل وضوؤه و لم تصح صلاته ويجب عليه قضاؤها بناء على قول الجمهور، فإن لم يخرج منه شيء وصلى لم تبطل طهارته عند الكثير من أهل العلم وصلاته صحيحة.

أما ان كان به سلس دائم غير منقطع أي مستمر ، فالذي عليه جمهور الفقهاء أن صاحب السلس يجب عليه الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يجزئه أن يتوضأ لصلاة قبل دخول وقتها ويسعى في أن يغير ملابسه المصابة بالنجس أو يطهرها إن أمكن ذلك ويغسل المحل جيداً، ويشد عليه خرقة أو نحوها مما يمنع نزول الحدث وانتشاره

ثم لا يضره خروج السلس ولو خرج أثناء الصلاة فإن أصيبت ملابسه بشيء من البول بعد التحفظ منه صحت صلاته لأن هذا من النجس المعفو عنه لمشقة الاحتراز عنه ولأنه مريض .

ولا يشرع له ان يبقى بوضوء واحد يصلي به الصلاة الأخرى كما لا يشرع له ان يتوضأ قبل دخول وقت الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه البخاري .

*****

- اذا استيقظ و ووجد منيا عند الفجر هل يغتسل ولو كان في ذلك خروج الوقت أم يتيمم ويصلي ثم يغتسل بعدها في وقت لاحق ؟

أقول مذهب الجمهور وهو اختيار شيخ الاسلام بن تيمية خلافا للمالكية أن الرجل او المراة اذا استيقظ ووجد نفسه جنبا ولم يكن معذورا اي لم يكن ممن مثلا ( لم يجد ماء او كان مريضا او وجود برد ولا يستطيع تسخين الماء ونحو ذلك ) يعني ليس له عذر يمنع فإنه يغتسل ويصلي ولو أدى به الى خروج وقت الصلاة لان وقت استيقاظه هو وقت له وهو معذور وهو الذي عليه اكثراهل العلم وهو الاظهر .

قال عليه الصلاة والسلام : " نَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين .

خلافا للامام مالك رحمه الله الذي يرى أن الوقت اسبق فيرى بجواز التيمم ان خشي خروج الوقت  ، ومن ترخص بمذهبه فلا حرج في ذلك وان كنا نرجح مذهب الجمهور ، والقاعدة الفقهية تقول : "لا يُنكَرُ المختَلَفُ فيه، وإنما يُنكَر المُجْمَعُ عليه " كما ذكر السيوطي رحمه الله .

*****

مسألة في حكم النجاسات في بول وروث الحيوانات اذا اصابت الثوب : 

إذا كانت مما يجوز أكل لحمها شرعاً ، كالعصافير والدجاج والبط .... إلخ فروثها طاهر وهو الراجح  ، وهكذا الحكم في كل حيوان يؤكل لحمه ، كالغنم والبقر والخيول ...... إلخ .

لأن الأصل في الأشياء أنها طهارة ، ولم يأت دليل شرعي صحيح يدل على نجاسة هذه الأشياء

 وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مرابض الغنم ، فقال : (صلوا فيها ، فإنها بركة) ، ولم يأمر من يصلي فيها باجتناب بولها وروثها ، مع أن الغالب أنه سيصيبه شيء من ذلك .

وهناك أدلة أخرى كثيرة ، قد أطال البحث فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى . 

- نجاسة ما لا يؤكل لحمه كالقطط و نحو ذلك : 

اختلف العلماء على قولين و الراجح ما عليه المذاهب الأربعة أنه نجس , وأدلتهم أن هذه الحيوانات محرمة لأن لحمها خبيث فكذلك بولها و روثها , وكذلك بما أننا نهينا عن أكل الجلالة التي تأكل النجاسات فهذه الحيوانات قد خبث لحمها بنفسه وليس عن طريق أكل العذرة , ولأن الإسلام رخص في سؤر الهرة لأنها من الطوافين علينا  دفعا للمشقة , فعلم بأن المقتضي لنجاستها قائم وهو كونها محرمة , وإذا كان هذا في سؤرها فما بالك في بولها وروثها فإنه أشد نجاسة من سؤرها.

تنبيه : أجمع المسلمون على نجاسة بول و غائط الآدمي الكبير , ونقل الإجماع على على ذلك .

أما بول الصبي و الجارية فقد اختلفوا على قولين , و الراجح ما عليه الجمهور بأن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام وكذلك الجارية أنه نجس للأوامر الكثيرة بنضحه و غسله , ولو أن نجاسته أخف من نجاسة بول الكبير , وقد رخص في نضح بول الصبي ورشه و عفا عن غسله تخفيفاً لملازمة حمله .

*******

أختم بمسألة مهمة وهي مسألة الدم الخارج من الانسان : 

مسألة " نجاسة الدم " من المسائل التي كثر الكلام حولها بين المعاصرين ، حتى كتبت فيها الرسائل والأبحاث وانا سأختصر قدر الإمكان حتى لاأطيل عليكم .

نقول : الأصل أن نزول اليسير القليل من الدم لا ينقض الوضوء عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ؛ إذ هي من قبيل النجاسات المعفو عنها .

وأما بخصوص الكثير  ففيه خلاف طويل .

قال الشيخ بن المنجد : القول الذي عليه عامة العلماء سلفا وخلفا : أن الدم المسفوح نجس. 

وكذلك الدم الخارج من السبيلين (وهذا الأخير نجس باتفاق) .

" والمسفوح : الجاري الذي يسيل "

وهو يشمل : الدم الذي يسيل وينهَمِر من الحيوان في حال الحياة ، أو عند الذبح ، (والدم الذي يسيل من الإنسان عند جرحه وهذه الأخيرة فيها خلاف سنفصل حولها ) .

قال : وهذا الدم نجس ، عند جميع العلماء ، ولم يعرف عن أحد من علماء هذه الأمة وسلفها القول بطهارته ، وأول من شهَّر القول بطهارته من المتأخرين : هو الشوكاني ، ثم تبعه صدِّيق حسن خان ، ومن بعدهم الشيخ الألباني في هذا العصر ، ومن ثم عمَّ القول به حتى شاع بين كثير من طلبة العلم .

وقد دل على نجاسة الدم المسفوح : القرآن ، والسنة ، والإجماع .

1- أما القرآن ، فقوله سبحانه وتعالى : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الأنعام/ 145 .

...

وقد اعتُرِض على الاستدلال بهذه الآية من وجهين :

الأول : أن المراد بالرجس في هذه الآية المحرم لا النجس .

وأجيب عن هذا : بأنه لو حُملت كلمة رجس على أنها تعنى : الحرام ، لكان في الآية تكرارا ، لأن التحريم قد تم بيانه في أول الآية ، وعلى قولهم يكون معنى الآية : ليس فيما أوحي إلي محرم إلا الميتة والدم ولحم الخنزير فإنه محرم .

وقال بعضهم : الرجس في اللغة القذر ، فكلمة (رجس) ، لا تعني أنه نجس ، بل مستقذر .

والجواب عن ذلك : أن كلمة رجس وإن كانت تعني في اللغة القذر ، لكن المراد بها هنا المعنى الشرعي وهو الحكم بالنجاسة ، فإن الأصل في كلام الشارع حمله على المعنى الشرعي لا اللغوي .

قال الإمام الطبري رحمه الله :

" الرجس : النجس والنتن "

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" والرجس هو : القذر والنجس الذي يجب اجتنابه "

الاعتراض الثاني : أن الضمير في قوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود إلى الخنزير فقط وهذا خطأ

وأجيب عن ذلك : أن الضمير وإن كان في عوده خلاف بين المفسرين ، إلا أن رجوعه للجميع هو الأقرب والأرجح .

فإن قوله ( محرماً ) صفة لموصوف محذوف ، والتقدير : شيئاً محرماً ، والضمير المستتر في ( يكون ) يعود على ذلك الشيء المحرم ، أي : إلا أن يكون ذلك الشيء المحرم ميتة.. إلخ .

والضمير البارز في قوله ( فإنه ) يعود أيضاً على ذلك الشيء المحرم ، أي : فإن ذلك الشيء المحرم رجس .

وعلى هذا فيكون في الآية الكريمة بيان الحكم وعلته في هذه الأشياء الثلاثة : الميتة ، والدم المسفوح ، ولحم الخنزير.

ومن قصر الضمير في قوله (فإنه) على لحم الخنزير ، معللاً ذلك بأنه أقرب مذكور فقصره قاصر ، وذلك لأنه يؤدي إلى تشتيت الضمائر ، وإلى القصور في البيان القرآني حيث يكون ذاكرا للجميع ( الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ) حكما واحدا ، ثم يعلل لواحد منها فقط "

وذكروا قول ابن عبد البر رحمه الله :

" وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس "

وقول الامام ابن حزم الظاهري : " وَاتَّفَقُوا على أَن الْكثير من الدَّم ، أَي دم كَانَ ، حاشا دم السّمك وَمَا لَا يسيل دَمه : نجس "

ثانياً :

ذكروا أن من أبرز ما يستدل به من يقول بطهارة الدم من المتأخرين : قصة الصحابي الذي جُرح وهو يحرس الصحابة في الشعب ، واستمر في صلاته .

وقد رواها الإمام أحمد في " مسنده " ، وأبو داود في " سننه " ، والحديث حسنه النووي والشيخ الألباني .

واجابوا عن هذا الحديث من وجهين :

الأول : أن هذا الحديث يرويه عن جابر بن عبد الله ابنه : " عَقيل بن جابر" ، وهو مجهول .

قال ابن أبي حاتم رحمه الله : " سمعت أبي يقول : عقيل بن جابر ، لا أعرفه "كتاب الجرح والتعديل "

ولذلك ذكر هذا الحديث البخاري في صحيحه معلقاً ، بصيغة التمريض .

الثاني : 

أن هذه الحالة خارج محل النزاع ، لأن هذا الصحابي معذور ، والمعذور لا يضره جريان دمه كما في سلس البول والاستحاضة .

فالدم النازل من هذا الصحابي ، هو دم نزيف ، والنزيف يعد رخصةً تبيح لصاحبها أن يصلي على حاله ، ولو جرى معه الدم ، لأنه لا يستطيع إيقافه .

ومثله حديث عمر لما طعنه أبو لؤلؤة أكثر من ثلاث طعنات ، " فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا " الموطأ .

فهذه حالة ضرورة لا يقاس عليها غيرها .

فما دام الدم يسيل بشكلٍ متواصل ولا يمكن وقفه ، فإنه يأخذ حكم من به سَلَس البول أو حكم المستحاضة ، فيصلي ولو قطر البول ولو سال الدم ، ولا يدل ذلك في الحالتين على طهارة البول أو على طهارة الدم .

وذكروا قول شيخ الإسلام رحمه الله :

" إنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا يَرْقَأُ ، مِثْلَ مَا أَصَابَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِاتِّفَاقِهِمْ ؛ سَوَاءٌ قِيلَ : إنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ؛ أَوْ قِيلَ : لَا يَنْقُضُ ، سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ) ، وَقَالَ تَعَالَى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ... وَكُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَقَطَ عَنْهُ ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ؛ بَلْ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ " مجموع الفتاوى .

ووفق هذا الكلام قالوا يفهم قول الحسن البصري : " مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ " ، ذكره البخاري تعليقاً فهذا محمول على حال الاضطرار في الحرب .

قالوا ويؤيد ذلك أن الحسن البصري رحمه الله : سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَحْتَجِمُ مَاذَا عَلَيْهِ ؟ فقَالَ : " يَغْسِلُ أَثَرَ مَحَاجِمِهِ "" مصنف ابن أبي شيبة " 

وعليه فإن هذه الآثار تدل دلالة واضحة على أن الحسن البصري كان يرى نجاسة الدم ، ولذلك لا يمكن أنة نستدل بقوله عن الصحابة بأنهم كانوا يصلون في جراحاتهم على طهارة الدم 

وذكروا قول العيني رحمه الله :

" لَا يلْزم من قَوْله : ( يصلونَ فِي جراحاتهم ) ، أَن يكون الدَّم خَارِجاً وقتئِذٍ ، وَمن لَهُ جِرَاحَة لَا يتْرك الصَّلَاة لأَجلهَا ؛ بل يُصَلِّي وجراحته إِمَّا معصبة بِشَيْء ، أَو مربوطة بجبيرة ، ومَعَ ذَلِك لَو خرج شَيْء من ذَلِك لا تفْسد صلَاته " " عمدة القاري "

وقالوا أما ما روي عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزَّار قال : صَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ مِنْ جُزُرٍ نَحَرَهَا ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ . رواه عبد الرزاق في "المصنف" وقد صحح إسناده الألباني .

فهذا يجاب  عنه من ثلاث وجوه :

الوجه الأول : من حيث ثبوته : ففي سماع يحيى الجزَّار من ابن مسعود نظر ، فقد نفى الأئمة سماعه من علي بن أبي طالب ، وابن مسعود أقدم وفاةً من علي . ينظر في  : " المراسيل " لابن أبي حاتم وهو مقدم على الشيخ الالباني في هذا الشأن .

الوجه الثاني : أنه إن صحّ ، محمول على أن الدم الذي أصابه شيء يسير ، والدم اليسير معفوٌّ عنه كما هو معلوم .

...

وقد لخص الشيخ ابن عثيمين الإجابة عن جميع الآثار الواردة عن الصحابة في هذا الباب ، فقال رحمه الله : " وأما ما ورد عن بعض الصحابة مما يدل ظاهره على أنه لا يجب غسل الدم والتطهير منه ، فإنه على وجهين :

أحدهما : أن يكون يسيراً يُعفى عنه ، مثل ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لا يرى بالقطرتين من الدم في الصلاة بأساً ، وأنه يدخل أصابعه في أنفه فيخرج عليها الدم فيحته ثم يقوم فيصلي ، ذكر ذلك عنه ابن أبي شيبة في مصنفه .

[ ومثله ما جاء عن ابن عمر أنه عَصَرَ بَثْرَةً فِي وَجْهِهِ ، فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ ، فَحَكَّهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ، رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح ، وقوله ( شيء من دم ) واضح في الدلالة على أنه شيء يسير ] .

ثانيهما : أن يكون كثيراً لا يمكن التحرز منه ، مثل ما رواه مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب حين طُعن ، صلى وجرحه يثعب دماً ، فإن هذا لا يمكن التحرز منه إذا لو غسل لاستمر يخرج ، فلم يستفد شيئاً ، وكذلك ثوبه لو غيَّره بثوبٍ آخر - إن كان له ثوبٌ آخر- لتلوث الثوب الآخر فلم يستفد من تغييره شيئاً .

فإذا كان الوارد عن الصحابة لا يخرج عن هذين الوجهين ، فإنه لا يمكن إثبات طهارة الدم بمثل ذلك " " مجموع فتاوى ابن عثيمين "

وكذلك قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :

" وأما آثار الصحابة فلا تفيد طهارة الدم ، وإنما تدل على العفو عن يسيره ، وعدم نقض الوضوء به ، وأما صلاة عمر وغيره مع جريان دمه ، فإنما هو للضرورة ، وعدم القدرة على إمساكه ، فهو كمن به سلس بول ونحوه ممن حدثه دائم " تعليقه رحمه الله  على " شرح الزركشي على مختصر الخرقي "

وقد ذهب بعض العلماء ان دم الشهيد هو استثناء لا يقاس عليه صاحب الجراحات وهذا مذهب الحنفية والحنابلة أن دم الشهيد غير نجس عندهم 

و قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" جَمِيعَ الدِّمَاءِ نَجِسَةٌ إلا : دم مَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَة ، ومَا يَبقَى بَعدَ الذبح في الْعُرُوق وَاللَّحْم ، فَهُوَ طَاهِرٌ ، وإلا : دم الشهيدِ عَلَيهِ خَاصَّة "  " إرشاد أولى البصائر والألباب " 

***

والذين اجازوا قالوا : لم يرد ما يدل على نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين -قليلاً كان أو كثيراً- والأصل البقاء على البراءة الأصلية فلا يصار إلى القول بأن الدم ناقض إلا بدليل ناهض، بل الآثار السابقة تدل على عدم النقض، وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطلعاً على بعضها كما في غزوة ذات الرقاع  ، وقالوا ان الدم المسفوح يقصد به على وجه الخصوص ما ينحر من الأنعام و يخرج متدفقا لاقترانه في المحرمات من المأكولات ، ونحن قد فصلنا وبينا فالمسألة خلافية 

و غسل الدم اذا كان كثيرا ولو لم يخرج من السبيلين احوط ويبقى العلم لله تعالى .

***

حول الرعاف :

خروج الدم من الأنف لا ينقض الوضوء ، على الراجح من قولي العلماء .

وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله ، وهو المروي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ينقض ، ولهم تفصيل في ذلك ، فالحنابلة يشترطون أن يكون الدم الخارج كثيرا ، والكثرة والقلة ترجع إلى تقدير كل إنسان في نفسه .

ودليل القول الراجح ، وهو عدم النقض ، ما يلي :

1- أن الأصل عدم النقض ، فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل .

2- أن طهارته ثبتت بمقتضى دليل شرعي ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي .

وإن كان الذي هو أقرب في هذا كله حول مسألة الدم  أن خروج الدم من غير السبيلين  لا ينقض الوضوء على خلاف في المسألة كما فصلنا والله اعلم .

والكلام في هذا الباب يطول جدا ، وقد ذكرت اهم النقاط فيه للفائدة فقط .

وانبه دائما اننا لا نتعصب لرأي واحد وانما الامر فيه سعة طالما الخلاف قائم و كما ذكرنا القاعدة تقول : لا يُنكر المختَلَفُ فيه،وينكر المُجْمَعُ عليه "

و الاحوط هو الوضوء منه و غسل موضع الدم خروجا من الخلاف وهو الاحوط حسب ما ذكرت في اول كلامي في هذا الباب ويعفى عن يسيره  .

والله تعالى أعلم .

نعتذر على الاطالة .

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك .

Comments

Search This Blog

Archive

Show more

Popular posts from this blog

TRIPASS XR تري باس

CELEPHI 200 MG, Gélule

ZENOXIA 15 MG, Comprimé

VOXCIB 200 MG, Gélule

Kana Brax Laberax

فومي كايند

بعض الادويه نجد رموز عليها مثل IR ، MR, XR, CR, SR , DS ماذا تعني هذه الرموز

NIFLURIL 700 MG, Suppositoire adulte

Antifongiques مضادات الفطريات

Popular posts from this blog

علاقة البيبي بالفراولة بالالفا فيتو بروتين

التغيرات الخمس التي تحدث للجسم عند المشي

إحصائيات سنة 2020 | تعداد سكَان دول إفريقيا تنازليا :

ما هو الليمونير للأسنان ؟

ACUPAN 20 MG, Solution injectable

CELEPHI 200 MG, Gélule

الام الظهر

VOXCIB 200 MG, Gélule

ميبستان

Popular posts from this blog

TRIPASS XR تري باس

CELEPHI 200 MG, Gélule

Popular posts from this blog

TRIPASS XR تري باس

CELEPHI 200 MG, Gélule

ZENOXIA 15 MG, Comprimé

VOXCIB 200 MG, Gélule

Kana Brax Laberax

فومي كايند

بعض الادويه نجد رموز عليها مثل IR ، MR, XR, CR, SR , DS ماذا تعني هذه الرموز

NIFLURIL 700 MG, Suppositoire adulte

Antifongiques مضادات الفطريات

Popular posts from this blog

Kana Brax Laberax

TRIPASS XR تري باس

PARANTAL 100 MG, Suppositoire بارانتال 100 مجم تحاميل

الكبد الدهني Fatty Liver

الم اسفل الظهر (الحاد) الذي يظهر بشكل مفاجئ bal-agrisi

SEDALGIC 37.5 MG / 325 MG, Comprimé pelliculé [P] سيدالجيك 37.5 مجم / 325 مجم ، قرص مغلف [P]

نمـو الدمـاغ والتطـور العقـلي لـدى الطفـل

CELEPHI 200 MG, Gélule

أخطر أنواع المخدرات فى العالم و الشرق الاوسط

Archive

Show more