…
قال لي: الوطن ليس فندق تتركه عندما تسوء الخدمة.
قلتُ له: أحييّكَ على وطنيتك هذه، فما هو الوطن عندك؟
أجاب: الوطن أهل وعشيرة وذكريات كثيرة، إنه رئتي الثالثة التي لا أستطيع التنفس بدونها
قلت له: لديك عرض عمل بمليون دولار في الشهر في دولة وراء المحيط، فماذا تقول؟
حزم حقائبه ورحل دون أن يودّع وطنه وترك رئته الثالثة تلهث وراءه.
…
كلما جلستُ في مجلس وزايد البعض علينا في وطنيتهم وأنهم مُحال أن يتركوا هذا الوطن مهما حدث، كنت متيقناً من شيئين اثنين وهما إمّا أن صاحبنا هذه مرتاح جدّا مادياً في داخل "وطنه" أو أنه لم يتلق بعد العرض المناسب خارجه، عندما يأتيه السعر الذي يحلم به سـ يبيع وطنه وذكرياته كما يبيع بقايا أثاث بيته.
…
فهل هذا يعني أن حب الوطن مجرّد وهم وأن كل التضحيات التي قدّمها الآباء والأبناء كانت بلا معنى؟
لا ليس الأمر كذلك…
وإنما معادلة التضحيات من أجل الوطن ينبغي فيها ابتغاء الأجر من الله لنصرة دينه، لا لتحصيل مكاسب أو مناصب، إذا أدخلتَ على معادلة الوطن مصالحك الشخصية تصبح القصة تجارة، مَن يدفع أكثر يكسب.
…
لذا حدثني عن حبك للوطن عندما تخسر وظيفتك وتسكن في بيت للايجار، تراكمت عليك الديون ويطاردك الدائنون في كل مكان، وأنتَ لا تملك ثمن دواء والدتك ولا كيف تعالج ابنك من مرضه العضال، ولا مال لديك لشراء حليب طفلك الذي يبكي ليل نهار، ولا لاصلاح سيارتك التي تعمل يوم وتتوقف عشرة. وانتظام الكهرباء آخر مشاكلك في هذا الوطن.
…
لا تحدثني عن الوطن وأنتَ ممتلئ البطن والجيب، لكَ أرصدة تتكئ عليها، وعلاقات اجتماعية قائمة على خدمتك كلما احتجت. كل مصالحك ومصالح أولادك تُقضى بمكالمة هاتفية منك، لا يعنيك حضرت الكهرباء أم غابت في وجود مولّداتك التي تعمل تلقائيا، وأنت تنتقل في هذا الصيف القائظ من مكيف المكتب إلى مكيف السيارة إلى مكيف البيت. الوطن عندك يا سيدي هو كل حزمة الرفاهية هذه إذا غابت عنك سوف تلعن سنسفيل هذا الوطن الذي تتبجح بحبه في كل مجلس بعد أن تتحسس جيبك الملآن بأموال الوطن الغلبان.
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع