مرض ثنائي القطب bipolar

مازلت في محاولة لفهم تكوين النفس البشرية لكن هذه المرة من زاوية اخرى ، زاوية لا احبذ تسميتها مرضية لان الطب والعلم يحاول تقييد الاشياء ضمن اطر محددة لمعالجتها رغم انه لم يفلح في علاج معظمها وانا لا اجد مايسمى مرض هو فقط عطب يصيب الجسد او العقل او النفس بل اجده نوع من التعبير او اللغة التي لم نستطع ترجمتها بلغتها الاصلية حتى اللحظة ، ربما هي الوسيلة الاخيرة للروح لايصال معنى ما فاتنا ولم نفهمه من كل تجاربنا بالحياة ، لذا احبذ فهم المعنى من المعاناة ، وما الذي تحدثنا به اروحنا ، هل الالم الصرخة الاخيرة للروح ، هل الالم النبرة الغاضبة والصوت العالي لها ، وبداية الامر ستكون من صورة ومعالم هذا الالم ..

البايبولار بما انه عبارة عن نوبات بين الصعود والهبوط لذا نجد الفرد فيه شبه ضائع في اكتشاف نفسه وكأنه يعيش السؤال الوجودي (من أنا) دائما وابداً ، لذا ضياع الهوية هذا وعدم الاستقرار النفسي حالة تجعله مثل المعلق بين السماء والارض ، اضافة انه يصيب الاشخاص اصحاب الذكاء العالي او المختلف او العميق الى حد ما ، وهذه احد الاسباب التي تصنع منه ذاك الشارد والغير مفهوم من الاخرين وحتى من نفسه ..

لن اقول إني وجدت الغاية من معاناته لكن اقول وجدت الاختلاف بينه وبين الانسان الثابت والمستقر نفسيا ، حتى اتخيله كـ تردد او تذبذب طاقي مستمر وكأنه تيار كهربائي متناوب في الوجود ، اما الانسان الثابت فتجده بشحنة ساكنة هادئة تعرف طريقها وبدايتها ونهايتها ، الاول مثله كـ مثل الهارب والرافض لمكانه ووجوده بين المستقرين ، والثاني يمتلك تقبل الحجر لتكوينه وهذا الثبات في حد ذاته يزعج صاحبنا البايبولار ..

نعم تركيبة غريبة وتجربة لو توضحت معالم فائدتها له على الاقل او للوجود بشكل عام اعتقد كان سيهون عليه الكثير ..

الموضوع طويل ولايمكن البت فيه دون التعرض لانواعه واعراضه ولو بشكل مختصر ، فهناك نوعان منه بايبولار الاول عبارة عن نوبات هوس ولا اعني نوبات سعادة او فرح بل هي نوبات شبه هستيرية بداية من حاجته القليلة جدا للنوم والراحة ، تهور في امور كثيرة وتورطه في اشياء خطيرة لدرجة انه قد يفقد حياته ، كلامه سريع ، اسراف في التفاؤل او مشاعر الغبطة او الشعور بالعظمة والاهمية والتفوق ، نستطيع ان نقول عنه السوبر هيرو او سوبرمان زمانه ،وعوده كثيرة مشاعره جياشة يتورط بعلاقات عابرة وسريعة وغيرها حتى تنتهي ويهبط الى درجة تحت الاكتئاب وليس الاكتئاب الكامل او الحاد وبمجرد حصول نوبة هوسية واحدة في حياته يشخص انه من النوع الاول ولن يتغير للنوع الثاني ابدا ..

اما بابيولار من النوع الثاني فهي نوبة اكتئاب حادة تمنعه من رؤية الاشياء بوضوح وتغيب القيم والمعاني لكل شئ ، يصبح فاقد طعم الحياة والعلاقات واهمية الاشياء حتى الطعام وحتى مظهره وعمله واسرته ، لذا هو مستعد لقطع كل شئ دون رجعة في وقتها ، حبه للاختفاء من العالم هو مطلبه الوحيد لذا سيهرب من كل مايحيط به ، تجده غاضب يلعن ويشتم هو غارق في السوداوية الى اقصى حد ، رغم ان الندم هو المسيطر بالنهاية وتألمه من تسببه الاذى للاخرين لكنه عبارة عن قطار خرج عن سكته ولايستطيع السيطرة عليه ، حتى تنتهي وينتقل لدرجة تحت الهوسية وايضا كما النوع الاول اذ اصابته نوبة واحدة من الاكتئاب فيشخص من النوع الثاني ولن يصبح من النوع الاول ابدا ..

اضافة للانواع هناك اضافة عليها في الكيفية لكلا النوعين من حيث المدة الزمنية ، البعض يعاني النوبات كل عدة سنوات والاخر كل عدة اشهر وايضا كل عدة اسابيع لكن هناك نوع يعتبر الاخطر لانه دوري وسريع جدا في تنقلاته ربما خلال ايام او خلال ساعات ، هو شخص لايسيطر بتاتاً على مزاجه او تعامله مع الاشياء ، هو يتعامل وفق ما تمليه عليه درجة النوبة المسيطرة في وقتها فقط ويعتبر الاخطر لانه اكثر الانواع عرضة للانتحار ، هذا التنقل السريع يجسد اعلى حدود ضياع الهوية وسرعته ترهق العقل والروح والقلب ، ترهقه شخصياً وترهق المحيطين به ، محاولاته المستميتة للسيطرة تجعله عصبي دائما متوتر ، يعيش صراعه الابدي بين الندم واللامبالاة ، بين ان يظهر للناس بمظهر السوي وبين مقارنته لنفسه بحياة الاسوياء ، اضافة لكل ماسبق سيؤثر الامر بالتأكيد على عمله ، على معنى حياته ككل وهو يعيش فشل اثبات الذات او على الاقل فهمها ، زد على الامر جهل المحيطين به بحالته وعدم الفهم او التقبل لمعاناته واللوم الدائم على اهماله وكسله وهروبه لانه لايشبه المعتاد والمفروض والمتوقع من حياة الفرد ...

لم اكتب الموضوع كـ مختصة بالامر او معالجة له ، اكتبه لانه حالة تستحق التوقف والتفكير في تكوين النفس البشرية كما ذكرت اعلاه وساتبعه بمنشور آخر ربما يساعد على تخطي النوبات او على الاقل التقليل من حدتها ...