ملفات غامضة,( الفوضى الخلاقة..)


قال ميكافيللي في كتابه الأمير ” الشجاعة تُنتج السلم .. والسلم يُنتج الراحة .. والراحة يتبعها فوضى.. والفوضى تؤدي إلى الخراب .. ومن الفوضى ينشأ النظام .. والنظام يقود إلى الشجاعة ” ..

التاريخ ..

ربما يعتقد الكثيرون أن مصطلح الفوضى الخلاقة مصطلح جديد ظهر بعد التفرد الأمريكي بزعامة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، و الواقع أن المصطلح ظهر لأول مرة عام 1902م على يد مؤرخ أمريكي يدعى تاير ماهان، و قد توسع الأمريكي مايكل ليدين فأسماها «الفوضى البناءة» أو «التدمير البناء»، وذلك بعد أحداث سبتمبر بعامين في 2003، و هذا يعني الهدم، و من ثم البناء، و يعني هذا إشاعة الفوضى، تدمير كل ما هو قائم، و من ثم إعادة البناء حسب المخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة . 

و قد يكون أكثر المفكرين الذين تحدثوا عن هذا الأمر هو اليميني الأمريكي صامويل هانتنقتون صاحب نظرية “صراع الحضارات”، حيث بنى نظريته على أساس أن الصراع العالمي القادم سيكون حضاريا، مع التركيز على معاداة الحضارة الإسلامية، التي يرى أنها لا يمكن بحال أن تنسجم مع الحضارات الأخرى، و بخاصة الحضارة الغربية، و قد تلقفت مراكز البحوث و الدراسات نظرية الفوضى الخلاقة، و أشبعتها بحثا ودرسا، والنظرية تعني باختصار أنه عندما يصل المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى المتمثلة في العنف الهائل و إراقة الدماء، و إشاعة أكبر قدر ممكن من الخوف لدى الجماهير، فإنه يصبح من الممكن بناؤه من جديد بهوية جديدة تخدم مصالح الجميع ..

الفكر والتخطيط ..

تعتمد نظرية الفوضى الخلاقة في الأساس على ما أسماه الأمريكي صموئيل هنتنجتون بفجوة الاستقرار وهي الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار بشكل أو بآخر. فاتساعها يولد إحباطاً ونقمة في أوساط المجتمع، مما يعمل على زعزعة الاستقرار السياسي، لاسيما إذا ما انعدمت الحرية الاجتماعية والاقتصادية، وافتقدت مؤسسات النظام القابلية والقدرة على التكييف الايجابي، ذلك أن مشاعر الاحتقان قد تتحول في أية لحظة إلى مطالب ليست سهلة للوهلة الأولى، وأحياناً غير متوقعة، ما يفرض على مؤسسات النظام ضرورة التكيف من خلال الإصلاح السياسي، وتوسيع المشاركة السياسية، واستيعاب تلك المطالب ..

أما إذا كانت تلك المؤسسات محكومة بالنظرة الأحادية؛ فإنه سيكون من الصعب الاستجابة لأي مطالب، إلا بالمزيد من الفوضى التي يرى هنتجتون أنها ستقود في نهاية الأمر، إلى استبدال قواعد اللعبة واللاعبين ..

ويرى البعض أن الفوضى الخلاقة ترتكز على أيديولوجيا أمريكية نابعة من مدرستين رئيستين ..

– المدرسة الأولى صاغها فرانسيس فوكوياما بعنوان نهاية التاريخ ويقسم فيها العالم ما بين عالم تاريخي غارق في الاضطرابات والحروب، وهو العالم الذي لم يلتحق بالنموذج الديمقراطي الأميركي. وعالم آخر ما بعد التاريخي وهو الديمقراطي الليبرالي وفق الطريقة الأمريكية. ويرى أن عوامل القومية والدين والبنية الاجتماعية أهم معوقات الديمقراطية ..

– المدرسة الثانية صاغها هنتنگتون بعنوان صراع الحضارات معتبراً أن النزاعات والانقسامات في العالم سيكون مصدرها حضارياً وثقافياً. ذاهبًا إلى أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل. ورغم تناقض المدرستين، إلا أنهما تتفقان على ضرورة بناء نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة، إضافة إلى معاداة الحضارة الإسلامية باعتبارها نقيضاً ثقافياً وقيمياً للحضارة الغربية ..

دول القلب ودول الثقب ..

طور نظرية الفوضى الخلاقة أحد أهم المحاضرين في وزارة الدفاع الأمريكية وهو البروفيسور توماس بارنيت فقد قسّم العالم إلى من هم في القلب أو المركز (أمريكا وحلفائها)، وصنف دول العالم الأخرى تحت مسمى دول الفجوة أو الثقب حيث شبهها بثقب الأوزون الذي لم يكن ظاهرًا قبل أحداث 11 سبتمبر. يذهب بارنيت إلى أن دول الثقب هذه هي الدول المصابة بالحكم الاستبدادي، والأمراض والفقر المنتشر، والقتل الجماعي والروتيني، والنزاعات المزمنة، وهذه الدول تصبح بمثابة مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين ..

وبالتالي فإن على دول القلب ردع أسوأ صادرات دول الثقب، والعمل على انكماش الثقب من داخل الثقب ذاته. فالعلاقات الدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط لم تعد مجدية؛ ذلك أن الأنظمة العربية بعد سقوط العراق لم تعد تهدد أمن أمريكا، وأن التهديدات الحقيقية تكمن وتتسع داخل الدول ذاتها، بفعل العلاقة غير السوية بين الحكام والمحكومين. ويخلص بارنيت إلى أن تلك الفوضى البناءة ستصل إلى الدرجة التي يصبح فيها من الضروري تدخل قوة خارجية للسيطرة على الوضع وإعادة بنائه من الداخل، على نحو يعجل من انكماش الثقوب وليس مجرد احتوائها من الخارج، منتهيًا بتخويل الولايات المتحدة القيام بالتدخل بقوله ”ونحن الدولة الوحيدة التي يمكنها ذلك” ..

 
          شاهد الفيديو


الأسس التي تقوم عليها النظرية ..

ينطلق (مايكل ليدن) في نظريته من أفكار ومتبنيات تعكس الفلسفة التي تدين بها النخبة المسيطرة المتحكمة في القرارات والاستراتيجيات الأمريكية تجاه العالم والشرق الأوسط بالخصوص، وهي اعتماد الواقع أكثر مما يمليه الذهن، أي جعل له الأسبقية والرجحان وينطلق ليدن بعد قراءة الواقع وتشخيص البيئة المحددة له ليقول أنه لابد من التعامل مع معطياته وتطوراته ..

والأسس التي تقوم عليها نظريتة تتلخص في ..

1- التغيير الكامل في الشرق الأوسط ..

2- إعادة البناء بعد هدم الأسس والتقاليد القديمة ..

3- الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لدول الشرق الاوسط ..

4- إبعاد الجهد الأمريكي المباشر والاكتفاء بصياغة وتنظيم بناء النظام السياسي في هذه الدول ..

تمثل هذه الأسس محور نظرية الفوضى الخلاقة التي صاغها (مايكل ليدن) فهي تمثل حقيقة الاستراتيجية الأمريكية حاليا في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما صرح به أكثر من مسؤول أمريكي حول إعادة صياغة شرق أوسط جديد ونظام عالمي جديد ، منهم ( بوش الابن) عند مجيئه إلى السلطة التي اتضحت فيها معالم هذه النظرية في عهده، وكذلك مستشارة الأمن القومي الأمريكي ( كوندوليزا رايس) التي أطلقت هذا المصطلح عند حديثها عن السياسة والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ..

مراحل تنفيذ هذه النظرية ..

لاشك إن بلدان منطقة الشرق الأوسط تعيش حاليا مأساة تطبيق خطوات هذه النظرية من صراعات داخلية طائفية وقومية واثنيه وعشائرية، ومن مميزات هذه الدول أنها تعاني من رجحان كفة الانتماءات القومية والطائفية والعشائرية على كفة النظام السياسي الذي يتمثل في النظام، وبالتالي إي تغيير طفيف وجزئي أو جذري يلحق بالنظام السياسي القائم فيها، يدخل بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دوامة الاضطرابات والفوضى، وبالتالي جاءت خطوات ومراحل تنفيذ هذه النظرية متناغمة مع ما تعيشه دول المنطقة من هذه الوقائع ..

ومن خطوات تنفيذ النظرية ما يلي ..

1- إطلاق الصراع الطائفي والعرقي تقوم هذه النظرية على بث الشرخ الطائفي والعرقي الملازم لتركيبة شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط ، وهذا ما تعانيه اغلب دول المنطقة حاليا، منها لبنان التي تدور في دوامة الصراع الطائفي والقومي والاثني بين مختلف مكوناتها والذي افقدها مقوماتها كدولة متماسكة ضمن فلك النظام العالمي، كذلك السودان التي تم تغذية نوازع الانفصال فيها على أساس ديني دولة في الشمال ودولة في الجنوب بعد أن كانت تمثل لاعبا أساسيا إلى جانب مصر في الجزء الإفريقي العربي، والصومال أيضا لازالت تعيش دوامة النزاع القبلي والعرقي والديني بعد التدخل الأمريكي عام 1991، كذلك اليمن والجزائر والمغرب وليبيا والعراق وسوريا ..

2- صراع العصبيات تتمثل هذه الخطوة بضرب مؤسسات الدولة واستبدالها بولاءات عشائرية وحزبية، وهذا ما عكفت عليه وتبنته الإدارة الأمريكية في عدد من دول المنطقة منها ليبيا حاليا حيث تحكم مؤسسات الدول انتماءات قبلية منها الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات، كذلك العراق استبدل مؤسسات الدولة فيها بتوافقات حزبية ذات صبغة طائفية وقومية ..

3- إطالة أمد الاختلال الأمني من منطلقات هذه النظرية أيضا خلق حالة اللا أستقرار وحالة اليأس و اللا عودة إلى ما كان عليه الأوضاع قبل استبدال النظام فيها وذلك بإطالة أمد الصراع المصحوب بالأسلوب الدموي للقتل والدمار الناتج عن هذا الصراع والفوضى ، مما يجعل المجتمع في حالة اليأس والضغط النفسي ، وهذا يخلق حالة النظام الجديد الذي يولد من تفشي الفوضى ، ومن ابرز الأمثلة العمليات المسلحة المتمثلة في السيارات المفخخة والعبوات والاغتيالات والإبادة الجماعية لبعض المكونات والتهجير التي يشهدها العراق حاليا ..

4- التغذية الإعلامية إرباك المنطقة بموجه إعلامية وتغذية هذه المؤسسات وإدارتها ودعمها بكل ما من شأنه تحقيق أهداف هذه النظرية . لقد طبقت مجمل هذه الخطوات والبعض منها اخذ طريقه إلى التطبيق وتمثل الأجهزة المخابراتية الامريكية والاخرى العالمية المتعاونة معها الاداة الرئيسية في تطبيقها ورسم مساراتها، كما أن المنظومة العسكرية الأمريكية المتواجدة في دول المنطقة هي الأداة المباشرة في إدامة زخمها من الناحية اللوجستية والعملياتية الغير مباشرة ..

من خلال ما تقدم يتضح أن نظرية الفوضى الخلاقة لا تستهدف حفظ المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط التي يسوق إليها إعلاميا والمتمثلة في تدفق إمدادات النفط والموارد الطبيعية الأخرى وكذلك حماية إسرائيل، بل تتعداها إلى تغيير في نمط وسلوكيات ومعتقدات شعوب هذه المنطقة واستبدال ثقافاتها بثقافات تراها ضرورية لصيرورة نظام عالمي جديد، ويشير الى ذلك ليدن بالقول ”علينا تدمير الأنماط والنماذج والعلوم القديمة في الأدب وغيرها وهذه مهمتنا التاريخية” ..

من أجل التغيير الكامل للشرق الأوسط على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياسي والديني ، فالمنطقة ومنها الشعوب العربية بدولها وقومياتها وعقائدها وثقافتها وموروثها التاريخي تعيش اليوم مراحل تطبيقات هذه النظرية الفتاكة التي خلفت الكثير من المآسي والمحن والصدع في بنيتها، وهي بحاجة إلى وعي وأدارك خطورة هذه السياسة الأمريكية الجديدة ..

Comments

Search This Blog

Archive

Show more

Popular posts from this blog

TRIPASS XR تري باس

CELEPHI 200 MG, Gélule

ZENOXIA 15 MG, Comprimé

VOXCIB 200 MG, Gélule

Kana Brax Laberax

فومي كايند

بعض الادويه نجد رموز عليها مثل IR ، MR, XR, CR, SR , DS ماذا تعني هذه الرموز

NIFLURIL 700 MG, Suppositoire adulte

Antifongiques مضادات الفطريات

Popular posts from this blog

علاقة البيبي بالفراولة بالالفا فيتو بروتين

التغيرات الخمس التي تحدث للجسم عند المشي

إحصائيات سنة 2020 | تعداد سكَان دول إفريقيا تنازليا :

ما هو الليمونير للأسنان ؟

ACUPAN 20 MG, Solution injectable

CELEPHI 200 MG, Gélule

الام الظهر

VOXCIB 200 MG, Gélule

ميبستان

Popular posts from this blog

TRIPASS XR تري باس

CELEPHI 200 MG, Gélule

Popular posts from this blog

TRIPASS XR تري باس

CELEPHI 200 MG, Gélule

ZENOXIA 15 MG, Comprimé

VOXCIB 200 MG, Gélule

Kana Brax Laberax

فومي كايند

بعض الادويه نجد رموز عليها مثل IR ، MR, XR, CR, SR , DS ماذا تعني هذه الرموز

NIFLURIL 700 MG, Suppositoire adulte

Antifongiques مضادات الفطريات

Popular posts from this blog

Kana Brax Laberax

TRIPASS XR تري باس

PARANTAL 100 MG, Suppositoire بارانتال 100 مجم تحاميل

الكبد الدهني Fatty Liver

الم اسفل الظهر (الحاد) الذي يظهر بشكل مفاجئ bal-agrisi

SEDALGIC 37.5 MG / 325 MG, Comprimé pelliculé [P] سيدالجيك 37.5 مجم / 325 مجم ، قرص مغلف [P]

نمـو الدمـاغ والتطـور العقـلي لـدى الطفـل

CELEPHI 200 MG, Gélule

أخطر أنواع المخدرات فى العالم و الشرق الاوسط

Archive

Show more