٢٤●فقالت زوجته: يا أبا عبد
الرحمن! لمَن تتركني, وتترك هذا
الجنين الذي أحمله بين جوانحي,
فأنت هنا رجل غريب، ولا أهل لك
فيها ولا عشيرة؟
٢٥●فقال: أتركك لله،ثم إني خلفت
لك ثلاثين ألف دينار، جمعتها من
غنائم الحرب, فصونيها وثمّريها،
وأنفقي منها على نفسك, وولدك
بالمعروف, حتى أعود إليك سالماً
غانماً، أو يرزقني الله الشهادة التي
أتمنّاها،ثم ودّعها ومضى إلى غايته
٢٦●وضعت السيدة الرزان حملّها
بعد رحيل زوجها ببضعة أشهر،فإذا
هو غلام مشرق الوجه،حلوالقسمات
ففرحت به فرحاً عظيماً، كاد ينسيها
فراق أبيه،وأطلقت عليه اسم ربيعة
٢٧●وهذاالغلام الصغير《ربيعة》
هو موضوع درسنا اليوم .
💎 ما هي العلامات التي ظهرت
على ابن القائد فروخ, وماذا فعلت
أمه بهذا الولد, وما هي الأخبار
الذي وصلت عن زوجها الغائب ؟
٢٨●بدت على هذا الغلام الصغير
علامات النجابة منذ نعومة أظفاره،
وظهرت أمارات الذكاء في أفعاله
وأقواله،فأسلمته أمُّه إلى المعلِّمين،
وأوصتهم بأن يحسنوا تعليمه،
واستدعت له المؤدبين، وحضَّتهم
على أن يحسنوا تأديبه .
٢٩●فما لبس هذا الغلامُ حتى أتقن
الكتابة والقراءة،ثم حفظ كتاب الله
عز وجل،وجعل يرتِّله ندياً طرياً كما
أنزل على فؤاد محمد صلوات الله
عليه، ووَعَى ما تيسّر من أحاديث
رسول الله، واستظهر كلام العرب،
وعرف من أمور الدين ما ينبغي أن
يعرف،
٣٠●وقد أغدقت أمُّ ربيعة على
معلمي ولدها ومؤدبيه المال
والجوائز إغداقاً، فكانت كلما رأته
يزداد علماً, تزيده براً وإكراماً .
٣١●أنا أقول لكم كلامًا دقيقًا، وهذا
الكلام موجّه لمن عنده أولاد: شعور
الأب حينما يرى ابنه في أعلى
مرتبة أخلاقية، وعلمية، ودينية،
شعور لا يوصف، بل يمتلئ قلبه
سعادة
٣٢● وقد قال الله عز وجل:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ
أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما }
٣٣●كانت تترقب عودة أبيه،
وتجتهد في أن تجعله قرّة عين لها
وله، لكن فروخاً طالت غيبته، ثم
تضاربت الأقوال فيه،
٣٤●قال بعضهم:إنه وقع أسيراً في
أيدي الأعداء، وقال آخرون: إنه ما
زال طليقاً يواصل الجهاد، وقال
فريق ثالث عائد من ساحة القتال:
إنه نال الشهادة التي تمناها،
٣٥●ثم ترجح هذا القول الأخير
عند أم ربيعة لانقطاع أخبار زوجها،
فحزنت عليه حزناً أمضى فؤادها،
ثم احتسبته عند الله .
📚سيرة التابعين للشيخ النابلسي
🍃🌸ـــــــஜ
11:07
🌷∫∫ التابعي ربيعة الرأي ∫∫
《 الــحــلقـــ٣ــة 》
💎ما هي الحرفة التي اختارها
ربيعة حينما كبر,وعمن أخذ العلم,
وكيف قسم وقته ؟
٣٦●أيفع ربيعة، ودخل مداخل
الشباب، واستكمل ما ينبغي لفتًى
مثله أن يستكمله من القراءة
والكتابة،وزاد على أقرانه,فحفظ
القرآن وروى الحديث،
٣٧●اختار ربيعة لنفسه العلم وعزم
على أن يعيش متعلماً ومعلماً ما
امتدت به الحياة، وكلكم يعلم أنه
يظل المرء عالماً ما طلب العلم،
فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل،
٣٨●لذلك أقبل ربيعة على حلقات
العلم التي كان يزخر بها مسجد
المدينة،كما يقبل الظمآن على
الموارد العذاب،ولزم البقية الباقية
من الصحابة الكرام،
٣٩●وعلى رأسهم أنس بن مالك
خادم رسول الله،هذا أكبر أستاذ له،
وأخذ عن سعيد بن المسيب،
ومكحول الشامي،وسلمة بن دينار،
وواصلَ الليلَ بالنهار، إقبالاً على
العلم،وطلباً له،واحتواءً له،
٤٠●وإذا كلمه أحد ودعاه إلى الرفق
بنفسه,كان يقول: سمعنا أشياخنا,
٤١●[يقولون:العلم لا يعطيك بعضه
إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته
بعضك لم يعطِك شيئاً،وليس في
العلم حل وسط،يمكن أنْ يكون في
العمل حل وسط، بل في كل شيء
حل وسط إلا في العلم،
٤٢●فالعلم يحتاج إلى إتقان،والعلم
لايعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك،
فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً،
٤٣●والشيء الغريب أنّه لا تحصل
لذة العلم إلا بالتعمق فيه،فعدم
تعمق العلم عبء ومللٌ،لذلك ضعفُ
الطلاب يكون في مادة يكرهونها
كراهية شديدة،أما إذا أتقنوها
أصبحتْ متابعتها متعةً لهم] .
٤٤●ثم ما لبث كثيراً حتى ارتفع
ذكره،وبزغ نجمه، وكثر أخوانه،
وأولِع به تلاميذه،وسوّده قومه،
٤٥●سارت حياة هذا العالم الصغير,
فكان شطرٌ من يومه في داره لأهله
وأخوانه،وشطر آخر لمسجد رسول
الله للعلم وحلقاته،
٤٦●ولقد مضت حياته متشابهة
حتى وقع فيها ما لم يكن في
الحسبان،
💎-ما هي البشرى التي زفت لأم
ربيعة,وما هو الفزع الذي دخل على
قلبها,وكيف انحل هذا الفزع عنها, :
٤٧●في أحد الأيام، وفي عشية من
عشيات الصيف، وصل إلى المدينة
المنورة فارس في أواخر العقد
السادس من عمره،
٤٨●ومضى في أزقتها راكباً جواده،
قاصداً داره، وهو لا يدري إن كانتْ
دارُه ما تزال قائمة على عهده بها،
أم أنّ الأيام قدفعلت بها فعلها
فمضى على غيابه عنها ثلاثين
عاماً .
٤٩●فحينما عاد إلى المدينة,سأل
عن أخبارزوجته الشابة،هل وضعت
حملها،وهل كان ذكراً أو أنثى؟ وإذا
كان ذكراً فما حاله اليوم؟أسئلة
كثيرة تواردت على ذهنه،
٥٠●لكنْ في القصة موقف عجيب!
وهو أن زوجته حينما رأته،وأبلغت
ابنها فروخاً أنه أبوه،لأنه رأى الباب
مفتوحًا فدخل،
٥١●إنسان غاب عن بلده أمدًا
طويلاً فالتبس الأمر على فروخ
أنه إنسان فارس، يدخل إلى بيت
دون استئذان، وهو بيتـه،فحدثَتْ
مشادة بينه وبين ابنه دون أن يعرف
٥٢●استيقظت الزوجةُ على
الضجيج،فأَطلَّت من النافذة,فقالت:
يا بني إنه أبوك،وحينما سمع ربيعةُ
أنّ هذاأبوه,طفق يعانقه,ويقبِّل يديه
٥٣●ونزلت أم ربيعة تسلم على
زوجها الذي ما كانت تظن ظناً أنه
حيٌّ على وجه الأرض، بعد أن
انقطعت أخباره مدةً طويلة .
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع