٣١✾قال الخليفةهل لك أن تصحبنا
يا أبا حازم،فتصيب منا،ونصيب
منك؟ قال: كلا يا أمير المؤمنين,
قال:ولمَ؟قال:أخشى أن أركن إليكم
قليلاً،فيذيقني الله ضعف الحياة،
وضعف الممات،
٣٢✾قال الخليفة:ارفع إلينا حاجتك
يا أبا حازم،فسكت ولم يجِبْ، أعاد
عليه القول:ارفع إلينا حاجتك يا أبا
حازم, نَقْضِها لك مهما كانت،
٣٣✾قال:حاجتي أن تنقذني من
النار،وأن تدخلني الجنة, قال
الخليفة: ذلك ليس من شأني يا
أبا حازم، قال: أبو حازم مالي من
حاجة سواهما يا أمير المؤمنين،
٣٤✾قال:يا أبا حازم, ادعُ لي، قال:
اللهم إنْ كان عبدُك سليمان من
أوليائك, فيسِّره إلى خيرَي الدنيا
والآخرة،وإنْ كان من أعدائك
فأصلحه واهدِهِ إلى ماتحب وترضى
٣٥✾فقال أحد الحاضرين: بئس
ما قلت منذ دخلتَ على أمير
المؤمنين، فلقد جعلت خليفة
المسلمين من أعداء الله، وآذيته
بهذا الكلام،
٣٦✾فقال أبو حازم:بل بئس ما
قلت أنت،فلقد أخذ الله على العلماء
الميثاق بأن يقولوا كلمة الحق،
فقال تعالى:﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ﴾[ آل عمران الآية: 187]
📚سيرة التابعين للشيخ النابلسي
🍃🌸ـــــــஜ
11:07
🌷∫∫ التابعي سلمة بن دينار ∫∫
《 الــحــلقـــ٣ـــة 》
💎ما هي النصيحة التي قدمها
سلمة بن دينار إلى خليفة المسلمين
سليمان بن عبد الملك, وهل قبل
سلمة الهدية التي أرسلها الخليفة,
وما موقفه من ذلك؟
٣٧✾ثم التفت إلى الخليفة،وقال:
(يا أمير المؤمنين،إن الذين مضوا
قبلنا من الأمم الخالية،ظلُّوا في
خير وعافية،ما دام أمراؤهم يأتون
علمائهم رغبة بما عندهم،
٣٨✾ثم وُجِد قوم من أراذل الناس
تعلَّموا العلم،وأَتَوْا به الأمراء,
يريدون أن ينالوا به شيئاً من
عرض الدنيا،فاستغنَتِ الأمراء عن
العلماء،فتَعِسوا ونَكَثُوا،وسَقطوا من
عين الله عز وجل
٣٩✾قال:ولو أن العلماء زهدوا فيما
عند الأمراء،لرَغِب الأمراءُفي علمهم
ولكنهم رغبوا فيما عند الأمراء,
فزهِدوا فيهم، وهانوا عليهم،
٤٠✾فقال الخليفة:صدقتَ، زدني
من موعظتك يا أبا حازم،فما رأيت
أحداً الحكمة أقرب إلى فمه منك،
فقال:إنْ كنتَ من أهل الاستجابة,
فقد قلتُ لك ما فيه الكفاية،وإنْ لم
تكن من أهلها, فما ينبغي أن أرمي
عن قوس ليس لها وتر
٤١✾فقال الخليفة:عزمتُ عليك
يا أبا حازم أنْ توصيني،قال: نعم
أوصيك وأوجز،عظِّم ربَّك عز وجل,
ونزِّههُ أن يراك حيث نهاك،وأن
يَفْقِدَك حيث أمرك،ثمّ سلم وانصرف
فقال له الخليفة: جزاك الله خيراً
من عالم ناصح
٤٢✾فما كاد أبو حازم يبلغ بيته
حتى وجد أن الأمير قد بعث إليه
بصرة مُلأتْ دنانير،وكتب إليه يقول
أَنْفقها ولك مثلها كثيرٌ عندي،
٤٣✾فرَدَّها وكتب إليه, يقول: يا
أمير المؤمنين،أعوذ بالله أن يكون
سؤالك إياي هزلاً،ورَدِّي عليك باطلاً
فواللهِ ماأرضى ذلك ياأميرالمؤمنين
لك، فكيف أرضاه لنفسي؟
٤٤✾يا أمير المؤمنين إنْ كانت هذه
الدنانير لقاءَ حديثي لك, فالميتة
ولحم الخنزير في حال الاضطرار
أحلُّ من هذه الدنانير،وإن كانت
حقاً لي من بيت مال المسلمين,
فهل سوَّيتَ بيني وبين الناس
جميعاً في هذا الحق؟) .
💎إليكم هذا الحوار الذي دار بين
سلمة بن دينار وبين عبد الرحمن
بن جرير وابنه :
٤٥✾كان منزل سلمة بن دينار مورداً
عذباً لطلاب العلم والصلاح،ولا فرق
في ذلك بين أخوانه وطلابه،
٤٦✾فقدْ دخل عليه مرة[ عبد
الرحمن بن جرير]ومعه ابنه،وأخذا
مجلسهما عنده،وسلّما عليه،ودعَوا
له بخيرَي الدنيا والآخرة،فردّالتحية
بأحسن منها، ورحّب بهما،ثم دار
بينهم الحديث،
٤٧✾قال عبد الرحمن بن جرير:
(كيف نحظى بالفتوح يا أبا حازم؟
الفتوح بمعنى فتوح القلب، يعني
اليقظة،والاتصال بالله- فقال أبو
حازم: عند تصحيح الضمائر تُغفَر
الكبائر، وإذا عزم العبدُ على ترك
الآثام فتحَ عليه، ولا تنسَ يا عبد
الرحمن,أن يَسِيرَ الدنيا يشغلنا عن
كثير الآخرة
٤٨✾ولا تنسَ يا عبد الرحمن,أن
يَسيرَ الدنيا يشغلنا عن كثيرالآخرة-
وكل نعمة لا تقرِّبك من الله عزوجل
فهي نقمة،
٤٩✾فقال له ابنه: إن أشياخنا
كثيرون، فبمن نقتدي منهم؟ قال:
يا بني, اقتدِ بمَن يخاف الله في
ظهر الغيب،ويَعِفُّ عن التلبُّس
بالعيب، ويصلح نفسه في أوان
الصبا،ولايرجئ ذلك إلى عهدالشيب
٥٠✾واعلم يا بني, أنه ما من يوم
تطلع فيه الشمس، إلا ويقبل على
طالب العلم هواه وعلمه،ثم
يتغا لبان في صدره تغالبَ
المتخاصمَيْن،فإذا غلب علمُه هواه,
كان يومُه يومَ غُرم له، وإذا غلب
هواه علمَه,كان يومُه يومَ خسران
عليه .
٥١✾قال له عبد الرحمن: كثيراً ما
حضضتنا على الشكر يا أبا حازم،
فما حقيقة الشكر؟ قال أبو حازم:
لكل عضو من أعضائنا حقٌّ علينا
من الشكر،
٥٢✾قال عبد الرحمن: وما شكرُ
العينين؟ قال: إن رأيتَ بهما خيراً
أعلنته، وإنْ رأيت بهما شراً سترته،
٥٣✾قال: فما شكرُ الأذنين؟ قال:
إن سمعت بهما خيراً وعيتَه، وإنْ
سمعتَ بهما شراً دفنته،
٥٤✾قال:فما شكرُ اليدين؟ قال:
ألاّ تأخذَ بهما ما ليس لك،وألاّ تمنع
بهما حقًّا مِن حقوق الله،
٥٥✾قال: ولا يَفُتْكَ يا عبد الرحمن,
أن من يقصُر شكرَه على لسانه، ولا
يشرك معه جميعَ أعضائه وجنانه،
فمَثلُه كمثل رجل له كساء, غير أنه
أخذ بطرفه, ولم يلبسْه) .
٥٦✾هناك شكر اللسان،وشكر القلب،
وشكر العمل، فمن الناس مَنْ يشكر
بالكلام فقط، يا رب لك الحمد، لكن
لا يخدم إنسانًا،وليس في قلبه
امتنان، ولا في سلوكه, ما يؤكد
ذلك .
📚سيرة التابعين للشيخ النابلسي
🍃🌸ـــــــஜ
11:07
🌷∫∫ التابعي سلمة بن دينار ∫∫
《الـحـلقـ٤ــة و #الأخيرة 》
💎رسالة من سلمة بن دينار
إلى أحد أمراء بني أمية :
٥٧✾ في ذات سنة, نفَرَ سلمة بن
دينار مع جيوش المسلمين المتجهة
إلى بلاد الروم، يبتغي الجهاد في
سبيل الله،
٥٨✾فلما بلغ الجيش آخر مرحلة
من مراحل السفر، آثر الراحة
والاستجمام قبل أن يلقى العدو،
ويخوض المعارك،
٥٩✾وقد كان في الجيش أميرٌ من
أمراء بني أمية،فأرسل هذا الأمير
رسولاً إلى أبي حازم, يقول له:
(إنّ الأمير يدعوك إليه لتحدثه
وتفقِّهه،
٦٠✾فكتب إلى الأمير, يقول:
أيها الأمير، لقد أدركتُ أهل العلم،
وهم لا يحملون الديَن إلى أهل
الدنيا،ولاأحسبك تريد أن أكون أولَ
من يفعل ذلك،فإنْ كانت لك بنا
حاجة فأْتِنا،والسلام عليك,وعلى
من معك ،
٦١✾فلما قرأ الأمير الرسالة مضى
إليه وحيّاه وبيّاه،وقال: يا أبا حازم،
لقد وقفنا على ما كتبتَه لنا،فازددتَ
به كرامةً عندنا،وعزةً لدينا،فذكِّرْنا
وعِظْنا،جُزيتَ عنا خيرَ الجزاء،
٦٢✾فطفِق أبو حازم يعظه ويذكّره،
وكان من جملة ما قاله له:انظر ما
تحب أن يكون معك في الآخرة،
فاحرصْ عليه في الدنيا،
٦٣✾ماذا تحب أن يكون في قبرك؟
العمل الصالح والاستقامة، فاحرص
عليهما في الدنيا-
٦٤✾وانظر ما تكره أن يكون معك
هناك,فازهدْ فيه هنا،واعلم أيها
الأمير,أنه إن نفق الباطل عندك
وراج, أقبل عليك المبطلون
المنافقون، والتفّوا حولك،
٦٥✾ وإن نفق عندك الحق وراج,
التفّ حولك أهلُ الخير وأعانوك
عليه، فاختَرْ لنفسك ما يحلو) .
💎اللحظة الأخيرة من حياة
سلمة بن دينار :
٦٦✾ لمّا أقبل الموتُ على أبي
حازم,قال له أصحابه:(كيف تجدك
يا أبا حازم؟ فقال:لئِن نجَوْنا مِن شرِّ
ما أصبناه من الدنيا, فما يضرّنا ما
زُوِيَ عنا منها، ثم قرأ الآية الكريمة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾[مريم ]
وما زال يردِّدها حتى أتاه اليقين)
💎الخاتمة :
٦٧✾ فهذا هو أبو حازم، سلمة بن
دينار، أحد التابعين الأجلاّء، الذي
أوتي الحكمة على لسانه، وكأنه
ينطق بها عفواً،وله هذا الحوار
الطويل مع سليمان بن عبد الملك،
ومع بعض أصدقائه وتلاميذه،
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع