٦٩❐ثم إنه ما كاد أن ينتهي من
كلامه،حتى طلعت عليه بُنَيَّةُصغيرة
له،فرأته مقيداً، والجنودُ يسوقونه،
فتشبثت به،وجعلت تبكي وتنشج،
فنحاها عنه برفق،وقال لها:قولي
لأمك يا بنية:إن موعدنا الجنة
إن شاء الله تعالى،
٧٠❐ثم مضى،فبلغ الجندُ بالإمام
الحبر,العابد الزاهد, التقي النقي
واسطًا،وأدخلوه على الحجاج فلما
صار عنده،نظر إليه في حقد،وقال:
مااسمك؟قال:سعيد بن جبير،فقال
بل شقي بن كسير ،قال:بل كانت
أُمِّي أعلمَ باسمي منك،
٧١❐قال:ما تقول في محمد؟ قال:
تعني محمد بن عبد الله صلوات
الله وسلامه عليه،قال: نعم، قال:
سيد ولد آدم،النبي المصطفى،خير
من بقي من البشر، وخير من مضى،
حمل الرسالة,وأدى الأمانة،ونصح
لله,ولكتابه,ولعامة المسلمين،
وخاصتهم
٧٢❐قال: فما تقول في أبي بكر؟
قال:هو الصديق خليفة رسول الله،
ذهب حميداً،وعاش سعيداً،ومضى
على منهاج النبي صلوات الله
وسلامه عليه،لم يغيِّر،ولم يبدل .
٧٣❐قال:فما تقول في عمر؟ قال:
هو الفاروق الذي فرّق الله به بين
الحق والباطل،وخيرة الله من خلقه
وخيرة رسوله،ولقد مضى على
منهاج صاحبَيْه،فعاش حميداً،وقتل
شهيداً
٧٤❐قال:فما تقول في عثمان قال:
هو المجهِّزُ لجيش العسرة،الحافرُ
لبئر رومة،المشتري لبيت لنفسه
في الجنة،صهر رسول الله على
ابنتيه،وهو المقتول ظلماً
٧٥❐ قال: فما تقول في عليِّ؟
قال:ابن عم رسول الله،وأول من
أسلم من الفتيان،وهو زوج فاطمة
البتول،وأبو الحسن والحسين،
سيدي شباب أهل الجنة
٧٦❐قال:فأي خلفاء بني أمية
أعجب لك؟ قال:أرضاهم لخالقهم،
قال:فأيُّهم أرضى للخالق؟قال:علمُ
ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم
٧٧❐قال:فما تقول فيَّ؟ قال:أنت
أعلم بنفسك،قال: بل أريد علمك
أنت،قال:إذاً: يسوءك ولا يسرك،
٧٨❐قال:لا بد من أن أسمع منك،
قال:إني لأَعْلَمُ أنك مخالف لكتاب
الله تعالى،تُقدِم على أمورتريد منها
الهيبة،وهي تقحمك الهلَكَةَ،وتدفعك
إلى النار دفعاً،
٧٩❐قال:أمَا واللهِ لأقتلنك،قال:إذاً
تفسد عليَّ دنياي،وأفسد عليك
آخرتك،قال:اختر لنفسك أي قتلة
شئت،قال:بل اخترها أنت لنفسك
يا حجّاج،فو الله ما تقتلني قتلة
إلا وقتَلك اللهُ مثلها في الآخرة،
٨٠❐قال:أتريد أن أعفوَ عنك،قال:
إن كان العفو فمن الله تعالى،أمّا أنت
فلا أريده منك،فاغتاظ الحجاج،
وقال:السيف والنطع يا غلام،
٨١❐فتبَسَّم سعيد،فقال له الحجاج:
وما تبسُّمك؟قال:عجبت من جرأتك
على الله،وحلم الله عليك،قال:اقتله
يا غلام،
٨٢❐فاستقبل القبلة، وقال:إِنِّي
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَاأَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[سورة الأنعام الآية: 79]
٨٣❐قال:حرِّفوه عن القبلة، فقال:
﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾
[البقرة الآية:115]
٨٤❐قال:كبُّوه على الأرض،فقال:
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا
نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾
٨٥❐قال:اذبحوا عدو الله،فما رأيت
رجلاً أَدْعَى منه لآيات القرآن الكريم
فرفع سعيد كفَّيه،وقال:اللهم لاتسلِّط
الحجاجَ على أحد بعدي .
٨٦❐قال: فلم يمضِ على مصرع
سعيد بن جبير غير خمسة عشر
يوماً,حتى حمَّ الحجاج، واشتدت
عليه وطأةُ المرض،فكان يغفو
ساعة ويفيق أخرى،
٨٧❐فإذا غفاغفوة,استيقظ مذعوراً
وهو يصيح:هذا سعيد بن جبيرآخذ
بخناقي،هذا سعيد بن جبير،يقول:
فيمَ قتلتني؟ثم يبكي،ويقول: مالي
ولسعيد جبير، ردّوا عني سعيد بن
جبير .
٨٨❐فلما قضى نحبه،وورِي في
ترابه رآهم بعضهم في الحلم، فقال
له:ما فعل الله بك فيمن قتلتهم يا
حجاج؟قال:قتلني اللهُ بكل امرئ
قتلة واحدة،وقتلني بسعيد بن
جبير سبعين قتلة)
💎ماهي الاستنباطات التي
نحصيها من هذه القصة ؟
٨٩❐هناك استنباطات كثيرة، لكن
دائماً العلم يجب أن يُنَحَّى عن
المعترك الأرضي،هذا أكمل شيء
له، وإلا نكون قد ضيَّعنا الدعوةَ
إلى الله عز وجل .
٩٠❐الشيءالثاني:العبرة بهذه الجنة
التي عرضها السموات والأرض،هذه
لمَن كانوا على منهج الله،لمَن كانوا
على سنّة رسوله،لمَن كانوا على الحق
٩١❐وهذه القصة مؤلمة،وتضفي
على المجلس بعض الحزن، لكن
الحياة دار ابتلاء،ودار سعي،ودار
امتحان،فعلى الإنسان أنْ يكون
على منهج الله سائراً،والحياةُ الدنيا
لاقيمة لها،والجرأة قلَّ مثيلُها بين
الناس،
٩٢❐إنسان متمكن،وأعصابه قوية،
يُدْلِي بالحُجّة،ويقول الحق دون
خوف ووَجلٍ،ودون ارتباك وتردد،
هذا من آثار الإيمان،لأن المؤمن
حياته الدنيا يراها مؤقتة،والآخرة
هي الحياة الحقيقية،
٩٣❐وأنا أقول:هنيئاً لمَن كان على
الحق،ولتكن نهاية حياته ما تكون،
لأن العبرة بهذا الأبد المديد الذي لا
ينتهي،حيثُ يحكم فيه ملِكٌ عادل
والدنيا عرض حاضر، يأكل منه البَرُّ
والفاجر،والآخرة وعد صادق يحكم
فيه ملك عادل
والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين
📚سيرة التابعين للشيخ النابلسي
🍃🌸ـــــــஜ
11:07
🌷∫∫ التابعي سلمة بن دينار ∫∫
《 الــحــلقــــ١ـــة 》
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع