٥❐ولكنَّ الفتى التميميّ عامر بن
عبد الله لمْ يكن له أرَبٌ في ذلك
كلّه، لقد كان زاهدًا بِمَا في أيدي
الناس راغبًا بما عند الله .
٦❐ رجل البصْرة الأوَّل, الصحابيّ
الجليل أبو موسى الأشعري كان
والِيَ المدينة الزاهرة، وهو قائد
الجيوش فيها،وإمامُ أهلها،ومعلِّمُهم،
ومرشدهم إلى الله عز وجل،
٧❐نقول: إنهم تابعون، ومعنى
تابعون أي أنَّ هؤلاء اقْتدَوا
بالصحابة بعد وفاة النبي عليه
الصلاة والسلام، حيث بقيَ عددٌ
غيرُ قليل من أصحاب رسول الله
رِضْوان الله تعالى عليهم، فهؤلاء
التابعون لَزِموا صحابة رسول الله
٨❐فهذا التابعيّ عامر بن عبد الله
التميميّ لَزِمَ أبا موسى الأشعري في
سلمه وحربهِ،وفي حِلِّهِ وترْحالِهِ،
فأخذ عنه كتاب الله طريًّا كما نزل
على فؤاد محمَّد ﷺ وروى عنه
الحديث صحيحًا مَوْصولاً بالنبي
الكريم وتفقَّهَ على يدَيْه في دين
الله عز وجل،
٩❐فلمَّا اكْتملَ لهذا التابعيّ الجليل
العلْم جعَلَ حياتَهُ أقسامًا ثلاثة,
شطر في حلقات الذِّكْر يقرأُ فيه
الناس القرآن الكريم في مسجد
البصرة،
١٠❐وشطْر في خَلَوات العبادة
ينتصبُ فيه قائمًا بين يدي الله عز
وجل حتى تَكِلَّ قدَماه، وشطْرٌ في
ساحات الجهاد يسَلّ فيها سيْفًا
غازِيًا في سبيل الله،
١١❐ فهو في الجهاد تارةً،وفي
العبادة تارةً أخرى،وفي طلب العلم
وتعليمه تارةً ثالثة، ولمْ يتْرك في
حياته موضِعًا لشيءٍ غير ذلك،حتى
دُعِيَ بِعَابِدِ البصْرة،وزاهدها الأوَّل .
📚سيرة التابعين للشيخ النابلسي
🍃🌸ـــــــஜ
11:07
∫∫ التابعي عامر بن عبد الله التميمي∫∫
《 الــحــلقــــ٢ـــة 》
💎-ما هو الدعاء الذي كان يناجي
عامر به ربه, وما هو الميثاق الذي
عهده عامر لذلك الرجل البصري
وأمنه عليه؟
١٢❐ أحدُ أبناء البصْرة, قال:
(سافرْتُ في قافلةٍ فيها عامر بن
عبد الله التميميّ،فلمَّا أقْبَلَ علينا
الليل نزلْنا بِغَيْضةٍ فجَمَعَ عامرُ
متاعَهُ،وجمعَ فرسَهُ بِشَجَرةٍ،وطوَّلَ
له زِمامهُ، وجمعَ له مِن حشائش
الأرض ما يُشْبعُهُ،وضرحهُ أمامه،
ثمّ دخل الغَيْضة وأوْغَلَ فيها،
١٣❐فقلْتُ في نفسي:والله لأتْبعنَّه
ولأنْظرنَّ ما يصْنعُ في أعماق
الغَيْضة في هذه الليلة،
١٤❐فمضى حتى انتهى إلى رابيةٍ
ملْتفَّة الشجر، مسْتورة عن الأعيُن,
فاسْتقبل القبلة،وانتصبَ قائمًا
يصلِّي، فما رأيْتُ أحْسنَ من صلاته،
ولا أكمل ولا أخْشع، ولما صلى ما
شاء أن يصلِّي طفقَ يدْعو ربّه
ويُناجيه
١٥❐فكان ممَّا قال:إلهي قد خلقتني
بِأمرك،وأقمْتني في بلادك بِمَشيئتك،
ثمّ قلت ليَ: اسْتَمْسِك، فكيف
أسْتمسِكُ إن لم تمسِكْني بِلُطفك
يا قويّ يا متين؟ .
١٦❐وكان يقول: إلهي إنَّك تعلم أنَّه
لو كانت ليَ هذه الدنيا بما فيها، ثمَّ
طُلِبَتْ مِنِّي مرْضاةً لك ، لوَهَبْتُها
لِطَالِبِها، فهَبْ ليَ نفسي يا أرحم
الراحمين، إلهي إنِّي أحْببْتُكَ حُبًّا
سهَّلَ عليّ كلّ مصيبة،ورضني بكل
قضاء، فلا أُبالي مع حُبِّي لك ما
أصبحت عليه، وما أمْسيْتُ فيه .
١٧❐قال الرجل البصري: ثمَّ إنَّهُ
غلبني النعاس فأسْلمْتُ جَفْني إلى
النوم، وما زلْتُ أنام واسْتيقظ,
وعامر منتَصِبٌ في موقفه، ماضٍ
في صلاته,ومناجاته حتى تنفَّس
الصبح,
١٨❐قال: فلمَّا بدا له الفجر، فأدَّى
المكتوبة، ثمَّ أقْبلَ يدعو, ويقول:
اللهمّ ها قد أصْبح الصبح، وطفقَ
الناس يغدون ويروحون، يبتغون
من فضلك، وإنّ لِكُلٍّ منهم حاجة،
وإنّ حاجة عامر عندك أن تغفر له،
اللهمّ فاقْضِ حاجتي وحاجاتهم
يا أكرم الأكرمين .
١٩❐ثمّ قال عامر:اللهمّ إنِّي سألتُكَ
ثلاثًا,فأعْطَيتني اثْنَتَين، ومنَعْتني
واحدة،اللهمّ فأعْطِنِيها حتى أعْبدَك
كما أحبّ وأريد،
٢٠❐ثمّ نهَضَ من مجلسه، ووقعَ
بصَرهُ عليّ، فَعِلَم بمكاني منه في
تلك الليلة،فجَزِعَ لذلك أشدّ الجزع،
وقال لي في أسى: أراك كنت
ترقبني تلك الليلة يا أخا البصرة؟
قلتُ: نعم، فقال: اسْتر ما رأيْت مِنِّي
ستَركَ الله .
٢١❐فقلتُ: واللهِ لَتُحَدِّثني بِهذه
الثلاث التي سألت بها ربّك، أو
لأخْبِرَنّ الناس بِما رأيْتُه منك؟
فقال:وَيْحَكَ لا تفعَل,فقال: قلتُ:
هو ما أقولهُ لك،
٢٢❐فلمَّا رأى إصْراري, قال: أحدِّثك
على أن تعطِيني عهْد الله وميثاقهُ
ألاّ تُخْبر بهذا أحدًا, فقلتُ: لكَ عليّ
عهْدُ الله وميثاقهُ ألاّ أُفْشِيَ لك سرًّا
ما دُمْتُ حيًّا،
٢٣❐فقال: لمْ يكن شيءٌ أخْوفَ
على ديني من النِّساء, فسألْتُ ربِّي
أن ينزع من قلبي حبّهنّ، حتى
صِرْتُ لا أبالي امرأةً رأيْتُ أم جِدارًا,
٢٤❐ قال: فقلتُ: هذه واحدة,
فما الثانية؟ قال: سألتُ ربّي ألاّ
أخاف أحدًا غيره، -فاسْتجاب لي،
حتى إنِّي واللِه لا أرغب شيئًا في
الأرض ولا في السماء سواه،
٢٥❐قلْتُ:فما الثالثة؟ فقال: سألْتُ
ربِّي أن يُذْهِبَ عَنِّي النَّوم حتى
أعْبدَهُ بالليل والنهار كما أريد،
فمَنَعَنيها،
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع