الوسواس : مرض نفسي يتميز بوجود تصور أو طقوس حركية أو دورية أو فكرة تراود المريض وتعاوده أو تلازمه دون أن يستطيع طردها أو التخلص منها بالرغم من شعوره وإدراكه لغرابتها وعدم واقعيتها أو جدواها . بل إن المريض يبذل من طاقته الكثير لمحاولة درء مثل هذه الأفكار عن ذهنه ، حتى يصبح شاغله الشاغل هو القضاء عليها واستبعادها . أما باستخدام منطقه في إقناع نفسه بعدم واقعية أو جدوى الفكرة ، او باللجوء إلى الآخرين لإقناعه بذلك.
وبطبيعة الحال ، فإن الإقناع المنطقي يفشل في علاج المريض الوسواسي ، طالما أن هذه الأفكار لم تأت نتيجة منطقيتها ، بل إنها تعتنق بالرغم من مخالفتها للمنطق وللواقع معا . فالوسواس والقهر عادة متلازمان كأنهما وجهان لعملة واحدة.
أما القهر فهو عبارة عن قيام المريض بأفعال حركية رتيبة جامدة متكررة ( على نمط واحد ) لا تحقق له أية فائدة ، وليس لها معنى منطقي لدى الغير ، بل وربما لدى المريض نفسه ، وإن كان في بعض الأحيان يلتمس لها المريض أسبابا : مثل المريض القهري الذي يكرر غسل يديه مئات المرات بحجة وقاية نفسه من المرض عن طريق إزالة الجراثيم التي تعلق بيديه بغسلها باستمرار(في هذه الحالة يكون المريض فاقدا للبصيرة ) . وفي حالات كثيرة ، يجاهد المريض القهري نفسه بنفسه ليمنعها من إتمام الفعل القهري لاقتناعه بعدم جدواه وبعدم منطقيته ، لكنه في النهاية يفشل في ذلك ويستسلم للدافع الداخلي الذي يطالبه بإتمام الفعل القهري
. وإذا ما حيل بين المريض وبين أن يتم فعله القهري أصيب بقلق بالغ وخوف شديد من المجهول ، حتى تتاح له فرصة إنجاز فعله القهري فيهدأ إلى حين ، لكي تعاوده من جديد الرغبة في تكرار فعله القهري .. وهكذا
أسباب الوسواس القهري :
فيما يلي أهم أسباب الوسواس القهري :
1 - الوراثة :
الوسواس القهرى احيانا يورث، بحيث يمكن أحيانا أن يستمر في الاسرة.فرصة الاصابة عند الاقارب المصابين هي :
اقرباء الدرجة الاولى 7 %
أحد التوائم غير المتطابقة 25 %
أحد التوائم المتطابقة 40-80 %
2 – أسباب بيئية مهيئة :
أ - كتقليد سلوك الوالدين أو الكبار المرضي بالوسواس القهري .
ب - والإحباط المستمر في المجتمع ، والتهديد المتواصل بالحرمان ، وفقدان الشعور بالأمن ، ولذا يبدو المريض وكأنه يتلمس الأمن ، ويتجنب الخطر في النظام والتدقيق والنظافة وغير ذلك من أعراض الوسواس القهري.
ج – التنشئة الاجتماعية الخاطئة والتربية المتزمتة الصارمة المتسلطة الآمرة الناهية القامعة ، والقسوة والعقاب ، والتدريب الخاطئ المتشدد المتعسف على النظافة والإخراج في الطفولة.
3 – أسباب فسيولوجية :
يوجد الكثير من الشواهد أو الملاحظات التي تؤيد احتمال نشأة هذا المرض من أسباب فسيولوجية ، فظهوره في الأطفال بكثرة حيث الجهاز العصبي لم يكتمل نضجه ، وكذلك وجود المرض بطريقة دورية وفي هيئة نوبات متكررة ، مع اضطرابات الموجات الكهربائية في الدماغ ، مع ظهور هذا المرض بعد أمراض خاصة في الجهاز العصبي مثل الحمى المخية ، والصرع النفسي الحركي ، كل ذلك يؤيد الأساس الفسيولوجي .
4 – أسباب نفسية :
أ - كالصراع بين عناصر الخير والشر في الفرد ، والصراع بين إرضاء الدوافع الجنسية والعدوانية وبين الخوف من العقاب وتأنيب الضمير ، ووجود رغبات لاشعورية متصارعة تجد التعبير عنها في صورة الفكر الوسواسي والسلوك القهري ، وكذلك الصراع بين التمرد على مطالب الكبار وتقبلها .
ب – الخوف ، وعدم الثقة في النفس والكبت .
ج – ويعتقد أصحاب المدرسة السلوكية أن الوسواس يمثل مثير شرطي للقلق ، ولتخفيف القلق يقوم الفرد بسلوك معين يخفف القلق المرتبط بالفكر الوسواسي .
د – الشعور بالإثم وعقدة الذنب ، وتأنيب الضمير ، وسعي المريض لاشعوريا إلى عقاب ذاته ، ويكون السلوك القهري بمثابة تكفير رمزي ، وإراحة للضمير ( فمثلا يمكن أن يكون غسيل الأيدي القهري رمزا لغسيل النفس وتطهيرها من الإثم المتصل بخطيئة أو بخبرة مكبوتة ).
أعراض الوسواس القهري:
فيما يلي أهم أعراض الوسواس القهري:
1 – الأفكار المتسلطة ، ويكون معظمها تشككية أو اتهامية أو عدوانية أو جنسية ( الشك في الخلق والتفكير في الموت والبعث والاعتقاد في الخيانة الزوجية ) والانشغال بفكرة ثابتة تسلطية ، والتحريض على القيام بسلوك قهري .
2 – المعاودة الفكرية ، والتفكير الاجتراري كترديد كلمات الأغاني بطريقة شاذة .
3 – التفكير الخرافي البدائي والإيمان بالسحر والشعوذة والأحجبة ، والأفكار السوداء ، والتشاؤم ، وتوقع الشر ، وتوقع أسوأ الاحتمالات والكوارث .
4 – الانطواء والاكتئاب والهم وحرمان النفس من أشياء ومنع كثيرة ، وسوء التوافق الاجتماعي وقلة الميول والاهتمامات نتيجة التركيز على الأفكار المتسلطة والسلوك القهري .
5 – الضمير الحي الزائد عن الحد ، والشعور المبالغ فيه بالذنب ، والجمود ، وعدم التسامح والعناد والجدية المفرطة ، والدقة الزائدة .
6 – الاستغراق في أحلام اليقظة .
7 – القلق إذا وقع في المحظور ، وخرج عن القيود والحدود ، والتحريمات التي فرضها على نفسه فكرا وسلوكا .
8 – السلوك القهري والطقوس الحركية كالمشي على الخطوط البيضاء في الشارع ، والمشي بطريقة معينة ، ولمس حدود الأسوار ، وعد الأشياء التي لا يعدها الناس كطوابق المنازل والشبابيك ودرجات السلم وأعمدة الكهرباء ، والتوقيع على أي ورقة عددا معينا من المرات .... إلخ .
9 – النظام والنظافة والتدقيق والأناقة وحب القيام بطقوس ثابتة وطويله في النظافة وغسل اليدين المتكرر ونظام ثابت في لبس الملابس وخلعها ، وفي ترتيب الأثاث ، فلكل شيء مكان ووضع وكل شيء في مكانة وموضعه ... وهكذا .
10 – التتابع القهري في السلوك ، والبطء في العمل ، والتردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات . تراه يحاور نفسه بلا توقف حول ما اذا كان يفعل شىء أم شيئا آخر، حتى لا يمكنه ان يأخذ ابسط القرارات.
11 – الشك المتطرف في الذات ، والتأكد المتكرر من الأعمال ، والتردد والمراجعة الكثيرة ، وتكرار السلوك ( كتكرار قفل الأبواب ومحابس المياه والغاز ... الخ ) .
12 – الخواف خاصة من الجراثيم والميكروبات والقذارة والتلوث والعدوى ، ولذلك يتجنب مصافحة الناس ، أو تناول الطعام والشراب الذي يقدم له في المناسبات ... إلخ .
13 – السلوك القهري المضاد للمجتمع ، كهوس إشعال النار وهوس السرقة ، وهوس شرب الخمر ، والهوس الجنسي.
تشخيص الوسواس القهري :
1 – قد تلاحظ بعض أشكال خفيفة من الفكر الوسواسي والسلوك القهري عند الشخص العادي ، ولكن الفيصل هو اعتبار الفكر وسواسيا والسلوك قهريا هو تكرار وقوعه وظهور القلق والتوتر عند مقاومته أو منع الفرد تأدية عمله اليومي والتأثير على كفاءته وسوء توافقه الاجتماعي .
2 – يجب المفارقة بين اضطراب الوسواس القهري كمرض في حد ذاته أو كعرض من أعراض مرض آخر ، مثل ذهان الهوس والاكتئاب أو الفصام .
3 - ويتشابه القهر في أصله وطابعه مع الوسواس ، وكثيرا ما يتواجدان سويا في المريض الواحد . ولا يكاد يختلف القهر عن الوسواس إلا في أن القهر يتميز أكثر بأنه حركي ، بينما الوسواس يتميز أكثر بأنه فكري . فال القهر يقوم بأفعال حركية متكررة ، بينما الوسواسي تراوده وتعاوده أفكار غريبة . والمريض في الحالتين يعي تماما أنه مريض . ويجاهد في أن يوقف الأفعال الحركية القهرية لإدراكه لسخفها . وفي أن يدرأ الأفكار الوسواسية لإدراكه لعدم منطقيتها وزيفها . وإن كان يفشل في الحالتين لأن الدوافع إليهما دوافع لا شعورية لا يدركها ولا يملك التحكم فيها ولا يستطيع مواجهتها بشكل ناجح إلا إذا أدرك حقيقتها وأهدافها بعد أن يخضع للتحليل النفسي .
علاج الوسواس القهري:
علاج الوسواس القهري يتمّ علاج حالات الوسواس القهريّ عادةً إمّا باستخدام الأدوية، أو عن طريق العلاج النفسيّ، أو عن طريق دمجهما معاً، وبالرغم من استجابة أغلب المرضى للعلاج إلّا أنّ بعض الحالات يستمرّ فيها وجود الأعراض وظهورها. من المهمّ الأخذ بعين الاعتبار عند اختيار العلاج وجود اضطرابات نفسية أخرى مصاحبةً للوسواس القهريّ عند الشخص.
1- العلاج النفسي
يُعتبر العلاج السلوكيّ المعرفي , أحد العلاجات المُستخدمة لعلاج المشاكل النفسيّة، ومن أكثر أنواعه فاعليّةً لعلاج الوسواس القهريّ هو العلاج بالتعرّض ومنع الاستجابة (Exposure and Response Prevention)؛ حيث يشير الجزء المعنيّ بالتعرّض إلى الأفكار أو المواقف التي تثير القلق وتحفّز بدء الهواجس عند الشخص المُصاب، أمّا بالنسبة لمنع الاستجابة فهو الاختيار التام لعدم فعل التصرّف القهريّ عند تحفيز القلق أو الهاجس لسببٍ ما، ويتمّ فعل ذلك تحت إشراف طبيب معالج في بداية الأمر حتى يستطيع الشخص المُصاب التمرين على هذا العلاج بنفسه للسيطرة على الأعراض. يُعتبر هذا العلاج كنوعٍ من تحدّي القلق للشخص ليواكب ويتناسب مع ما يحدث معه فعلاً، ومن المهمّ جداً أن يتعهّد المُصاب ويلتزم بعدم الاستسلام والعودة إلى التصرّفات القهريّة، إذ إنّ عدم فعل هذه التصرّفات القهريّة بمرور الوقت سيخفّف من مستوى القلق لدى الشخص، ويُسمّى هذا الانخفاض الطبيعيّ في مستوى القلق بعد الاستمرار بهذا العلاج التعوّد (Habituation).
2- العلاج الدوائي تُستخدم أنواع من الأدوية تُسمّى مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائية لعلاج الوسواس القهريّ، وتُصنّف هذه الأدوية ضمن مضادّات الاكتئاب ولكن ليس جميع مضادّات الاكتئاب فعّالة لعلاج الوسواس القهريّ، ولم يتم تحديد آليّة علاج هذه الأدوية للوسواس القهريّ والسيطرة عليه سوى أنّها تؤثّر على وجود السيروتونين في الدّماغ؛ حيث تختل عملية التواصل بين الأعصاب في الدماغ في الحالات التي لا يكون فيها السيروتونين موجود بشكلٍ كافٍ. قد يحدث الاكتئاب في بعض الحالات نتيجةً للوسواس القهريّ، وفي هذه الحالات يتمّ معالجة الحالتين معاً عن طريق نفس الدواء، ومن المهمّ أن يعرف المُصاب أنّ هذه الأدوية لا تؤخذ فقط عند الشعور بالتوتّر، بل يجب أن يتمّ تناولها بشكل يومي وبانتظام حسب تعليمات وتوجيهات الطبيب للحفاظ على مستوى ثابت من السيروتونين.
3- العلاج الجراحي 🙁 شق الفص الجبهي ) كآخر حل أحيانا في حالة استحالة التخلص من الوسواس والقهر الذي يعطل حياة المريض ، بقطع الفص الأمامي في المخ في الحالات المستعصية التي تصل فيها الوسواس القهري درجة يستحيل معها أي نشاط آخر للإنسان.
مآل الوسواس القهري:
الوسواس القهري هو اصعب الأمراض النفسية العصابية علاجا ، وخاصة في الحالات الشديدة . ويمكن القول إجمالا أن حوالي ( 20-30 % ) من الحالات تشفى ، وأن حوالي ( 40-50%) تتحسن، وأن حوالي ( 20-40%) لا تتغير حالتها .
تقريبا أنّ سبعةً من كلّ عشرة مصابين بالوسواس القهريّ يستجيبون إمّا للعلاج الدوائيّ أو للعلاج بالتعرّض ومنع الاستجابة.
وعلى العموم فإن مآل عصاب الوسواس والقهر يكون أفضل : كلما كان ظهور المرض وأعراضه حديثا ، وكلما كان هناك أسباب بيئية واضحة ترتبط بظهور المرض ، وكلما كانت البيئة التي سيعود إليها المريض بعد العلاج أفضل ، وكلما كان توافقه العام والاجتماعي والشخصي أفضل .
No comments:
Post a Comment
اكتب تعليق حول الموضوع